الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالأقوال المحكية في القرآن، تصرف فيها القرآن بمقتضى بلاغته، وأسلوبه، حتى ولو كانت محكية عن عرب؛ ولهذا لما تكلّم الطاهر ابن عاشور في تفسيره: التحرير والتنوير عن مبتكرات القرآن، قال: ومما يتبع هذا أن القرآن يتصرف في حكاية أقوال المحكي عنهم، فيصوغها على ما يقتضيه أسلوب إعجازه، لا على الصيغة التي صدرت فيها، فهو إذا حكى أقوالًا غير عربية، صاغ مدلولها في صيغة تبلغ حدّ الإعجاز بالعربية، وإذا حكى أقوالًا عربية، تصرف فيها تصرفًا يناسب أسلوب المعبر، مثل ما يحكيه عن العرب؛ فإنه لا يلتزم حكاية ألفاظهم، بل يحكي حاصل كلامهم، وللعرب في حكاية الأقوال اتّساع، مداره على الإحاطة بالمعنى دون التزام الألفاظ؛ فالإعجاز الثابت للأقوال المحكية في القرآن هو: إعجاز للقرآن، لا للأقوال المحكية. انتهى.
ولا يفرق بين اللفظ ومعناه؛ فألفاظ القرآن من الله، ومعانيها منه، قال حافظ الحكمي ـ رحمه الله ـ في أعلام السنة المنشورة لاعتقاد الطائفة الناجية المنصورة: القرآن كلام الله عز وجل حقيقة -حروفه، ومعانيه-، ليس كلامه الحروف دون المعاني، ولا المعاني دون الحروف، تكلّم الله به قولًا، وأنزله على نبيه وحيًّا، وآمن به المؤمنون حقًّا. انتهى.
ولزيادة التفصيل في مسألة: هل القول المحكي لفظه من الله ومعناه ممن حكي عنه، أو لفظ القرآن ومعناه من الله، وقد أحاط بمعنى المحكي فقط، وكذلك لو ذكر القرآن اللفظ الذي نطق به من حكي عنه، فهل يكون اللفظ ذاته ومعناه لمَن تكلَّم به، أو اللفظ والمعنى من الله، وإنما حصل الاتفاق في القدر المشترك الذي هو مدلول اللفظ، انظر الفتوى: 210736، فقد بينا فيها ذلك بما يغني عن إعادته، وهي مسألة دقيقة.
والله أعلم.