الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمن فعل ذلك، كان عليه إثم خطئه، مع ما يحمله من تبعة صدِّ غيره عن الدِّين الحق.
كما أن من فعل خيًرا تسبّب في محبة كافر للإسلام، كان له أجر خيره، مع ما يناله من أجر التسبّب في الخير.
ونيل الأجر أو الوزر بالتسبّب، يدلّ عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: من سنّ في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها، ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء. رواه مسلم.
ويدل على جانب الوزر قوله تعالى: لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ [النحل:25].
وهذا لا يتعارض مع قوله تعالى: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {الأنعام:164}، كما قال السعدي في تفسيره: بل كل عليه وزر نفسه، وإن كان أحد قد تسبّب في ضلال غيره، ووزره؛ فإن عليه وزر التسبّب من غير أن ينقص من وزر المباشر شيء. اهـ.
ويدلّ على ذلك أيضًا قوله تعالى: وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [النحل:94]، قال ابن كثير في تفسيره: حذّر تعالى عباده عن اتخاذ الأيمان دخلًا، أي: خديعة، ومكرًا؛ لئلا تزلّ قدم بعد ثبوتها: مثل لمن كان على الاستقامة، فحاد عنها، وزلّ عن طريق الهدى بسبب الأيمان الحانثة المشتملة على الصد عن سبيل الله؛ لأن الكافر إذا رأى أن المؤمن قد عاهده، ثم غدر به، لم يبقَ له وثوق بالدِّين؛ فانصد بسببه عن الدخول في الإسلام؛ ولهذا قال: {وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم}. اهـ.
وجاء في «التفسير البياني لما في سورة النحل من دقائق المعاني» لسامي القدومي: نصدّ غيرنا عن سبيل الله عندما ننقض العهود بإقامتنا للقدوة السيئة، والتي بدورها تنفّر الناس عن دِين الله؛ حيث يقول الكافر، أو ضعيف الإيمان: إذا كان هذا هو فعل الأتقياء من المسلمين؛ فإن هذا الدِّين لا فائدة فيه ... ولا بد من الإشارة إلى أن شعوبًا كثيرة دخلت الإسلام لما رأت صدق المسلمين، وحسن أخلاقهم.
ولأجل هذا؛ لا بد أن يتنبه الدعاة إلى الله أولًا، والمسلمون عمومًا إلى أن معصيتهم قد تكون فتنة للناس عن دِين الإسلام، ومن صدّ غيره عن دِين الله؛ فإن له السوء في الدنيا، والعذاب العظيم في الآخرة. اهـ.
والله أعلم.