الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد دل الشرع على أن بعض الذنوب بعينها تكون سببا في أن يكل اللهُ العبدَ إلى نفسه، ويتخلى عن توفيقه له، ومن ذلك الجور في الحكم، ففي صحيح ابن حبان وسنن ابن ماجه -واللفظ له، وحسنه الألباني- عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الْقَاضِي مَا لَمْ يَجُرْ، فَإِذَا جَارَ وَكَلَهُ إِلَى نَفْسِهِ.
وقد ذكر أهل العلم أن عدم التقوى عموما قد يكون سببا لتخلي الله عن العبد، فيكله إلى نفسه. قال الشيخ السعدي في تفسير قول الله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ {سورة البقرة:194}. قال: {مَعَ الْمُتَّقِينَ} أي: بالعون، والنصر، والتأييد، والتوفيق، ومن كان الله معه، حصل له السعادة الأبدية، ومن لم يلزم التقوى تخلى عنه وليه، وخذله، فوكله إلى نفسه، فصار هلاكه أقرب إليه من حبل الوريد. اهــ.
والركون إلى الدنيا، واتباع الهوى من أكبر أسباب الخذلان، وقد قال الله تعالى في الرجل الذي آتاه آياته، فانسلخ منها، وكان من الغاوين في سورة الأعراف، قال -سبحانه وتعالى- عنه: وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ {الأعراف:176}. قال السعدي في تفسيره: لأن الله تعالى خذله ووكله إلى نفسه، فلهذا قال تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا} بأن نوفقه للعمل بها، فيرتفع في الدنيا والآخرة، فيتحصن من أعدائه {وَلَكِنَّهُ} فعل ما يقتضي الخذلان، فَأَخْلَدَ إِلَى الأرْضِ، أي: إلى الشهوات السفلية، والمقاصد الدنيوية. {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} وترك طاعة مولاه. اهـ
فعلى العبد أن يحذر من الذنوب والمعاصي عموما؛ فإنها سبب لكل شر وبلاء.
والله أعلم.