الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله -تعالى- لوالدك الشفاء والعافية.
وأما ما سألت عنه حول قضاء أبيك للصلوات التي فاتته أثناء العملية.
فالجواب عنه: أنه إذا كان فقد عقله في تلك المدة بإغماء أو نحوه. ففي وجوب القضاء عليه خلاف بين العلماء: فأوجب الحنابلة القضاء مطلقا، ولم يوجبه المالكية والشافعية، وأوجبه الحنفية إن لم يزد على خمس صلوات، فإن زاد فلا يجب.
قال ابن قدامة في المغني: المغمى عليه حكمه حكم النائم لا يسقط عنه قضاء شيء من الواجبات التي يجب قضاؤها على النائم كالصلاة والصيام. وقال مالك والشافعي: لا يلزمه قضاء الصلاة إلا أن يفيق في جزء من وقتها...
وقال أبو حنيفة: إن أغمي عليه خمس صلوات قضاها، وإن زادت سقط فرض القضاء في الكل. انتهى.
وكالمغمى عليه من زال عقله بدواء مباح، فلا يجب عليه القضاء عند من لا يوجب القضاء على المغمى عليه.
قال الشيرازي -رحمه الله- في المهذب: وأما من زال عقله بجنون، أو إغماء، أو مرض فلا يجب عليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: رفع القلم عن ثلاثة... فنص على المجنون، وقسنا عليه كل من زال عقله بسبب مباح. انتهى.
والحاصل أن القول بالقضاء هو الأحوط، وإن كان القول بعدم لزوم القضاء للمغمى عليه قويا من حيث النظر.
وأما إن كان لم يفقد عقله أثناء العملية، فقد كان الواجب عليه أداء الصلوات في وقتها حسب استطاعته. فإن قدر على القيام صلى قائمًا، وإن عجز عنه صلى قاعدًا، وإن عجز عن القعود صلى على جنب، وإن عجز أومأ برأسه، فإن عجز أومأ بطرفه.
قال ابن قدامة في المغني: وإن لم يقدر على الإيماء برأسه، أومأ بطرفه ونوى بقلبه، ولا تسقط الصلاة عنه ما دام عقله ثابتًا. انتهى.
وحيث لم يفعل ذلك، فالواجب عليه في هذه الحالة المبادرة إلى قضاء تلك الصلوات التي تركها، ثم إنه يقضي هذه الصلوات مرتبا لها مقدما أول صلاة فاتته، ثم التي تليها وهكذا ما دام يعرف أعيان هذه الصلوات. وهذا القضاء واجب على الفور، فلا يجوز تأخيره مع القدرة عليه.
قال البهوتي في الروض المربع: ويجب فورا -ما لم يتضرر في بدنه، أو معيشة يحتاجها أو يحضر لصلاة عيد- قضاء الفوائت مرتبا ولو كثرت. انتهى.
ولا كفارة عليه غير الاستغفار والندم، والعزيمة ألا يعود إلى ذلك.
والله أعلم.