الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنرجو أن لا تبطل الصلاة بحمل وتحريك ذلك الحامل الخشبي الذي عليه المصحف في الصلاة، فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم: كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا سَجَدَ، وَضَعَهَا، وَإِذَا قَامَ، حَمَلَهَا. والحديث في الصحيحين، وغيرهما، وقد أخذ منه الفقهاء جواز الحركة اليسيرة في الصلاة للحاجة، وأن الصلاة لا تبطل بها، وإنما تبطل بالعمل الكثير المتوالي، بخلاف العمل اليسير، والعمل الكثير غير المتوالي؛ فلا تبطل الصلاة بهما، قال الرحيباني الحنبلي في مطالب أولي النهى: وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِعَمَلٍ يَسِيرٍ مُطْلَقًا، وَلَا بِعَمَلٍ كَثِيرٍ غَيْرِ مُتَوَالٍ عُرْفًا، وَكُرِهَ الْعَمَلُ الْيَسِيرُ، أَوْ الْكَثِيرُ غَيْرُ الْمُتَوَالِي بِلَا حَاجَةٍ. اهــ.
وقال ابن قدامة في المغني: وَلَا بَأْسَ بِالْعَمَلِ الْيَسِيرِ فِي الصَّلَاةِ لِلْحَاجَةِ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ أَنْ يَحْمِلَ الرَّجُلُ وَلَدَهُ فِي الصَّلَاةِ الْفَرِيضَةِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ، وَحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا اسْتَفْتَحَتْ الْبَابَ، فَمَشَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ؛ حَتَّى فَتَحَ لَهَا. وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ. فَإِذَا رَأَى الْعَقْرَبَ خَطَا إلَيْهَا، وَأَخَذَ النَّعْلَ، وَقَتَلَهَا، وَرَدَّ النَّعْلَ إلَى مَوْضِعِهَا ... لَا بَأْسَ إنْ سَقَطَ رِدَاءُ الرَّجُلِ أَنْ يَرْفَعَهُ، وَإِنْ انْحَلَّ إزَارُهُ أَنْ يَشُدَّهُ ... وَقَالَ: مِنْ فَعَلَ كَفِعْلِ أَبِي بَرْزَةَ حِينَ مَشَى إلَى الدَّابَّةِ وَقَدْ أَفْلَتَتْ مِنْهُ، فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ.... فَكُلُّ هَذَا، وَأَشْبَاهُهُ لَا بَأْسَ بِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا يُبْطِلُهَا، وَلَوْ فَعَلَ هَذَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ، كُرِهَ، وَلَا يُبْطِلُهَا أَيْضًا.
وَلَا يَتَقَدَّرُ الْجَائِزُ مِنْ هَذَا بِثَلَاثٍ، وَلَا بِغَيْرِهَا مِنْ الْعَدَدِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظَّاهِرُ مِنْهُ زِيَادَتُهُ عَلَى ثَلَاثٍ، كَتَأَخُّرِهِ حَتَّى تَأَخَّرَ الرِّجَالُ، فَانْتَهَوْا إلَى النِّسَاءِ، وَفِي حَمْلِهِ أُمَامَةَ وَوَضْعِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَهَذَا فِي الْغَالِبِ يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَفْعَالٍ، وَكَذَلِكَ مَشْيُ أَبِي بَرْزَةَ مَعَ دَابَّتِهِ. وَلِأَنَّ التَّقْدِيرَ بَابُهُ التَّوْقِيفُ، وَهَذَا لَا تَوْقِيفَ فِيهِ، وَلَكِنْ يُرْجَعُ فِي الْكَثِيرِ وَالْيَسِيرِ إلَى الْعُرْفِ، فِيمَا يُعَدُّ كَثِيرًا أَوْ يَسِيرًا، وَكُلُّ مَا شَابَهُ فِعْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهُوَ مَعْدُودٌ يَسِيرًا.
وَإِنْ فَعَلَ أَفْعَالًا مُتَفَرِّقَةً لَوْ جُمِعَتْ كَانَتْ كَثِيرَةً، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِمُفْرَدِهِ يَسِيرٌ؛ فَهِيَ فِي حَدِّ الْيَسِيرِ. اهــ.
والله أعلم.