الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالاستحلال إنما يكون كفرًا في المحرمات البيِّنة، المجمع عليها، المعلومة حرمتها لدى الكافة، قال ابن قدامة في المغني: من اعتقد حلّ شيء أجمع على تحريمه، وظهر حكمه بين المسلمين، وزالت الشبهة فيه؛ للنصوص الواردة فيه -كلحم الخنزير، والزنى، وأشباه هذا، مما لا خلاف فيه-؛ كَفَرَ ..
وإن استحلّ قتل المعصومين، وأخذ أموالهم، بغير شبهة، ولا تأويل؛ فكذلك.
وإن كان بتأويل -كالخوارج-، فقد ذكرنا أن أكثر الفقهاء لم يحكموا بكفرهم مع استحلالهم دماء المسلمين، وأموالهم، وفعلهم لذلك متقربين به إلى الله تعالى، وكذلك لم يحكم بكفر ابن ملجم مع قتله أفضل الخلق في زمنه متقرّبًا بذلك، ولا يكفر المادح له على هذا، المتمنّي مثل فعله .. وقد عرف من مذهب الخوارج تكفير كثير من الصحابة، ومن بعدهم، واستحلال دمائهم، وأموالهم، واعتقادهم التقرّب بقتلهم إلى ربهم؛ ومع هذا لم يحكم الفقهاء بكفرهم؛ لتأويلهم. وكذلك يخرج في كل محرم استحلّ بتأويل مثل هذا ... اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: الإنسان متى حلّل الحرام المجمع عليه، أو حرّم الحلال المجمع عليه، أو بدّل الشرع المجمع عليه؛ كان كافرًا مرتدًّا باتفاق الفقهاء. اهـ.
وقال أيضًا: من جحد وجوب بعض الواجبات الظاهرة المتواترة -كالصلوات الخمس، وصيام شهر رمضان، وحج البيت العتيق-، أو جحد تحريم بعض المحرمات الظاهرة المتواترة -كالفواحش، والظلم، والخمر، والميسر، والزنى، وغير ذلك-، أو جحد حل بعض المباحات الظاهرة المتواترة -كالخبز، واللحم، والنكاح-؛ فهو كافر. اهـ.
وقال في الصارم المسلول: لا ريب أن من اعتقد في المحرمات المعلوم تحريمها أنها حلال؛ كَفَرَ. اهـ.
وتحريم المعازف ليس كذلك؛ فحرمتها ليست معلومة من الدِّين بالضرورة، ولا محل إجماع قطعيّ، ولا يشترك الناس في العلم بحكمها، ناهيك عما انتشر في عصرنا من القول بإباحتها، وكثرة التأويلات والشبهات المثارة في موضوعها؛ فلا يصحّ أبدًا الحكم بكفر من استحلّها، وراجع في ذلك الفتوى: 171469.
والله أعلم.