الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فوقوع الظلم في الدنيا أمر ثابت شرعًا وقدرًا، حسًّا وعقلًا، وهذا لا يتعارض مع نفي الظلم عن الله تعالى! وإلا ففي القرآن المجيد آيات كثيرة تنفي ذلك، وتثبت في الوقت نفسه وقوع الظلم من الناس، كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [يونس:44]، وغيرها من الآيات.
والسائل نفسه لا يخالف في أن جزاء هذا الظلم، وحساب الظالم عليه، والاقتصاص للمظلوم منه، إنما يكون بكماله في الآخرة، وإن كانت الدنيا لا تخلو من بعض ذلك، وهذا هو معنى الإطلاق في قولنا: (العدل المطلق)؛ فهذا لا يقام بين العباد في الدنيا داء التكليف والبلاء، وإنما في الآخرة دار الحساب والجزاء؛ وذلك أن حُكم الله تعالى بين العباد إنما يكون في الآخرة، كما قال تعالى: اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [الحج:69]، وقال سبحانه: ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [آل عمران:55].
فهناك يقام الوزن الحق، لا في الدنيا، كما قال تعالى: وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ [الأعراف:8]، قال الشهاب الخفاجي في حاشيته على تفسير البيضاوي: المعنى: الإخبار بأنّ الوزن الحق، وتمييز الأعمال يقع في ذلك اليوم، لا في أيام الدنيا، ألا ترى قوله: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}؟ اهـ.
وهذا من أسباب تسمية يوم الحساب بيوم القيامة، قال الشيخ ابن عثيمين في تفسير سورة آل عمران: سُمِّي يوم القيامة لأمور ثلاثة: الأول: قيام الناس من قبورهم. والثاني: يوم يقوم الأشهاد. والثالث: يقام فيه العدل، {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ...}. اهـ.
ونفي الظلم عن الله، مع ثبوت وقوعه في الدنيا، ونسبته إلى الخلق، أوضح من حيث المعنى من نفي الشر عن فعل الله تعالى، مع ثبوته في مفعولاته، أي: مخلوقاته.
وهذا قد سبق لنا بيانه في عدة فتاوى، انظر منها الفتويين: 310345، 135313.
والله أعلم.