الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليعلم السائل أولا أن مسألته هذه وما في حكمها، مما فيه حق لطرف آخر، لا تفيد فيه الفتوى شيئا أكثر من إعطاء حكم عام قد لا يكون منطبقا على المسألة المطروحة في نظر الطرف الآخر؛ لذلك هذا النوع من المسائل إن كان فيه خصام ومشاحة فمكانه المحكمة، فهي التي حكمها يرفع الخلاف، ويقطع النزاع.
ثم ان الذي فهمناه من قول السائل أنه اشتراه بطريق الغلط، أنه لم يتعمد غصب الأرض، وإنما اشتراها ممن يظن أنه مالكها.
وإذا كان الأمر كذلك، فإن لكم واحدا من ثلاثة أمور:
أولها: أن تدفعوا لذلك الشخص قيمة ما بناه على تلك الأرض قائما، لا منقوضا؛ لأنه بناه بشبهة، لا متعمدا للغصب، فيستحق قيمة ما بناه.
ثانيهما: إن أبيتم أن تدفعوا له قيمة ما بناه قائما، فإن له أن يدفع لكم قيمة الأرض، وتصير الأرض والبناء ملكا له.
ثالثا: إن أبى هو أيضا أن يدفع لكم قيمة الأرض، فإنكم تصيرون شركاء في الأرض والبناء، أنتم بقيمة الأرض، وهو بقيمة البناء.
قال خليل -المالكي- في مختصره: وَإِنْ غَرَسَ، أَوْ بَنَى: قِيلَ لِلْمَالِكِ: أَعْطِهِ قِيمَتَهُ قَائِمًا؛ فَإِنْ أَبَى، فَلَهُ دَفْعُ قِيمَةِ الْأَرْضِ، فَإِنْ أَبَى: فَشَرِيكَانِ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ الْحُكْمِ. اهــ.
جاء في شرح مختصر خليل للخرشي: يَعْنِي أَنَّ صَاحِبَ الشُّبْهَةِ وَهُوَ الْمُكْتَرِي، أَوْ الْمُشْتَرِي وَنَحْوُ ذَلِكَ. إذَا غَرَسَ أَرْضًا، أَوْ بَنَى فِيهَا بُنْيَانًا، ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا شَخْصٌ. فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلْمُسْتَحِقِّ -وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْمَالِكِ-: أَعْطِهِ قِيمَةَ غَرْسِهِ، أَوْ بِنَائِهِ قَائِمًا وَلَوْ مِنْ بِنَاءِ الْمُلُوكِ؛ لِأَنَّهُ وَضَعَهُ بِوَجْهِ شُبْهَةٍ.
فَإِنْ أَبَى أَنْ يَدْفَعَ لِلْبَانِي قِيمَةَ بِنَائِهِ قَائِمًا، قِيلَ لِلْغَارِسِ أَوْ الْبَانِي: ادْفَعْ لِهَذَا الْمُسْتَحِقِّ قِيمَةَ أَرْضِهِ بَرَاحًا بِغَيْرِ غَرْسٍ وَلَا بِنَاءٍ. فَإِنْ فَعَلَ فَلَا كَلَامَ.
وَإِنْ أَبَى فَإِنَّهُمَا يَكُونَانِ شَرِيكَيْنِ: هَذَا بِقِيمَةِ غَرْسِهِ أَوْ بِنَائِهِ، وَهَذَا بِقِيمَةِ أَرْضِهِ. وَالْقِيمَةُ فِيهِمَا مُعْتَبَرَةٌ يَوْمَ الْحُكْمِ بِالشَّرِكَةِ، لَا يَوْمَ الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ. اهــ.
وهذه الخيارات الثلاثة إذا لم تكن الأرض المذكورة وقفا، فإن كانت وقفا -كما قد يفهم من قولك إنها مدفن- فليس ثم إلا نقض ذلك البناء الذي بناه المشتري وهدمه، ولا يدفع هو لكم قيمة الأرض، ولا تدفعون له أنتم قيمة البناء.
وهذا ما أشار إليه خليل في مختصره عند قوله: إلَّا الْمُحَبَّسَةَ: فَالنّقْضُ. اهــ.
قال الخرشي في شرحه على المختصر: وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ بَنَى أَوْ غَرَسَ فِي أَرْضٍ بِوَجْهِ شُبْهَةٍ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ بِحُبْسٍ، فَلَيْسَ لِلْبَانِي أَوْ الْغَارِسِ إلَّا نُقْضُهُ؛ إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ قِيمَةَ الْبُقْعَةِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى بَيْعِ الْحبْسِ، وَلَيْسَ لَنَا أَحَدٌ مُعَيَّنٌ يُطَالِبُهُ بِدَفْعِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ قَائِمًا، فَتَعَيَّنَ النُّقْضُ بِضَمِّ النُّونِ. وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْحُبْسُ عَلَى مُعَيَّنِينَ، أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ. اهــ.
ومثله ما جاء في منح الجليل: إلَّا الْأَرْضَ الْمُحَبَّسَةَ الَّتِي بَنَى أَوْ غَرَسَ فِيهَا ذُو شُبْهَةٍ، فَلَا يُقَالُ لِلنَّاظِرِ عَلَيْهَا: أَعْطِهِ قِيمَتَهُ قَائِمًا، فَإِنْ أَبَى إلَخْ، وَيَتَعَيَّنُ النَّقْضُ، أَيْ هَدْمُ الْبِنَاءِ وَقَلْعُ الْغَرْسِ عَلَى الْبَانِي، أَوْ الْغَارِسِ. اهــ.
والله أعلم.