الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنقول ابتداء: إن الفصل في قضايا المنازعات محلُّهُ المحاكمُ الشرعية أو من ينوب منابها، وذلك لأنها الأقدر على السماع من أطراف النزاع وإدراك حقيقة الدعاوي والبينات والدُّفُوع، ثم إصدار الحكم المؤسس على ذلك، وأما المفتي فإنه لا يَسْمَع إلا من طرفٍ واحد، ولن يكون تصوره للمسألة إلا بحسب ما تُتِيحُه طريقةُ الاستفتاء، ولذلك لا يستطيع إصدار الحكم الدقيق في مثل هذه القضايا.
وما سنذكره هنا إنما هو على سبيل العموم والإرشاد والتوجيه، فنقول: إذا كانت الشقة التي تسكنها أمك كانت ملكا لأبيك وقت وفاته، فإن الشقة تعتبر ميراثا يقسم بين ورثة أبيك القسمة الشرعية، ولا شك أن أمه من جملة الورثة، ولا يسقط نصيبها بموتها، بل ينتقل إلى ورثتها هي، وابنها من ورثتها.
وأما ما ذكرتَه من أن أخاك هو من ساعد والدك في شراء الشقة، فهذا لا يمنع ما ذكرنا من أن لجدتك نصيبا في شقة أبيك، والولد حين يعطي أباه مالا، فإن الأب يملك ذلك المال ويكون لورثته من بعده، إلا إذا دفع الولد المال لأبيه بنية الإقراض، فإن هذا يجري فيه كلام الفقهاء هل للولد مطالبة أبيه بدَينه؟ وإذا مات الأب هل يأخذ الولد دينه من التركة؟ قال ابن قدامة في المغني: وَلَيْسَ لِلْوَلَدِ مُطَالَبَةُ أَبِيهِ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ، وَبِهِ قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارَ، وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ ثَابِتٌ، فَجَازَتْ الْمُطَالَبَةُ بِهِ، كَغَيْرِهِ. اهـ.
وعلى قول الحنابلة بأنه لا يطالب أباه بالدَّين، فإنه إذا مات الأب، فللولد أن يأخذ دَينه من التركة، قال ابن قدامة: وَإِنْ مَاتَ الْأَبُ، رَجَعَ الِابْنُ فِي تَرِكَتِهِ بِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُ لَمْ يَسْقُطْ عَن الْأَبِ، وَإِنَّمَا تَأَخَّرَتْ الْمُطَالَبَةُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ قَالَ: إذَا مَاتَ الْأَبُ، بَطَلَ دَيْنُ الِابْنِ. اهــ.
وانظري الفتوى: 47572.
والله أعلم.