الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد أجمع العلماء على استحباب الترسل في الأذان.
جاء في المجموع للنووي: والمستحب أن يترسل في الأذان، ويدرج الإقامة ... هَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ... اهــ.
وفي الموسوعة الفقهية: وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى الْحَدْرِ فِي الإْقَامَةِ، وَالتَّرَسُّل فِي الأْذَانِ ... اهــ.
فالحكم باستحباب الترسل في الأذان -وإن لم يدل عليه حديث ثابت-، ولكن يؤخذ من الإجماع، ومن المعلوم أن الإجماع حجة قائمة بذاته، كما بيناه في الفتوى: 115330.
وقد ثبت الأمر بالترسل في الأذان أيضا عن عمر -رضي الله عنه- فقد روى الدراقطني - بسند حسنه الحافظ ابن حجر في نتائج الأفكار عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ -مُؤَذِّنِ بَيْتِ الْمَقْدِس- قَالَ: جَاءَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: «إِذَا أَذَّنْتَ فَتَرَسَّلْ، وَإِذَا أَقَمْتَ فَاحْذُمْ». اهــ.
وليس في هذا ما يخالف ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في قوله: مَا عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ مِنْ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ: لَيْسَ مَعْنَاهُ إثْبَاتُ الِاسْتِحْبَابِ بِالْحَدِيثِ الَّذِي لَا يُحْتَجُّ بِهِ؛ فَإِنَّ الِاسْتِحْبَابَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلِ شَرْعِيٍّ. اهــ.
فشيخ الإسلام إنما يتكلم فيمن يثبت الاستحباب بالحديث الذي لا يحتج به، ويقول إن الاستحباب "لَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلِ شَرْعِيٍّ"
ومن المعلوم أن الإجماع دليل شرعي عنده وعند سائر العلماء، فكلامه السابق هو فيمن أخذ الاستحباب من حديث لا يحتج به فقط، ولم يوجد عنده دليل آخر من الكتاب، أو السنة الثابتة، أو الإجماع، فلا تخلط بين الأمور.
والله أعلم.