الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد أخرج الترمذي في سننه عن داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، عن جدّه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو أن ما يقلّ ظفر مما في الجنة بدا؛ لتزخرفت له ما بين خوافق السماوات والأرض، ولو أن رجلًا من أهل الجنة اطّلع، فبدا أساوره؛ لطمس ضوء الشمس، كما تطمس الشمس ضوء النجوم. وقال الترمذي: هذا حديث غريب، لا نعرفه بهذا الإسناد إلا من حديث ابن لهيعة. اهـ.
وأما شرح الحديث: فقد جاء في المفاتيح في شرح المصابيح للمظهري: قوله: «لو أن ما يُقِلّ ظفر مما في الجنة»، قال في «شرح السنة»: يقل؛ أي: يحمل، قال الله تعالى: {إذا أقلّت سحابا ثقالا سقناه} [الأعراف:57] أي: حملت الرياح سحابًا ثقالًا.
قوله: «لتزخرفت»؛ أي: لتزيّنت، والتزخرف: كمال حسن الشيء، قال الله تعالى: {حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت} [يونس:24] أي: تزينت بألوان النبات.
قوله: «ما بين خوافق السماوات والأرض»؛ أي: أطرافها، وقيل: منتهاها، وقيل: المشرق والمغرب؛ لأن المغرب خافق؛ أي: غائب، من (خفقت النجوم): إذا غابت، فذكر المحلّ وأراد به الحالّ؛ فغلبوه على المشرق.
و(خوافق السماء): التي يخرج منها الرياح الأربع؛ أي: الشمال، والجنوب، والدَّبور، والقبول.
و(ما) في (ما بين): موصول، معناه: التي، و(بين): صلته، والموصول مع صلته فاعل لـ (تزخرفت)، يعني: لو أن ما يحمله ظفر من نعيم الجنة لو ظهر في الدنيا؛ لأنار ما بين المشرق والمغرب، وزيّنه بحيث لا يبقى نور الشمس عند كمال نوره؛ لأنه خلق للبقاء.
قوله: «فبدا أساوره؛ لطمس نوره»، (بدا يبدو): إذا ظهر، (الأساور) جمع: أسورة، وهي ما تلبسه المرأة من الحليّ، و(الطمس): المحو. اهـ.
وأما الحور العين: فقد أخرج البخاري في صحيحه في باب الحور العين وصفتهنّ حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لروحة في سبيل الله، أو غدوة، خير من الدنيا وما فيها، ولقاب قوس أحدكم من الجنة، أو موضع قيد -يعني سوطه- خير من الدنيا وما فيها، ولو أن امرأة من أهل الجنة اطّلعت إلى أهل الأرض؛ لأضاءت ما بينهما، ولملأته ريحا، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها.
والأظهر أن الإضاءة هنا لما بين الجنة والأرض، جاء في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح لملا قاري: أي: ما بين المشرق والمغرب، أو ما بين السماء والأرض، أو ما بين الجنة والأرض، وهو الأظهر؛ لتحقيق ذكرها في العبارة صريحًا. اهـ.
والله أعلم.