الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلم نقف على دليل شرعي يمنع استخدام الجن في العلاج والأشياء المباحة، والأصل في الأشياء والمعاملات والمنافع الإباحة على الراجح من أقوال أهل العلم، إلا ما دل الدليل على منعه وتحريمه.
ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كلام في "مجموع الفتاوى" بهذا المعنى، يدل على جواز استخدام الجن في الأشياء المباحة كجواز استخدام الإنس فيها.
فيقول رحمه الله: ومن كان يستعمل الجن في أمور مباحة له، فهو كمن استعمل الإنس في أمور مباحة له... ومن كان يستعين بالجن ويستعملهم فيما نهى الله عنه ورسوله.. فهذا قد استعان بهم على الإثم والعدوان، ثم إن استعان بهم على الكفر فهو كافر، وإن استعان بهم على المعاصي فهو عاص..
وإن لم يكن تام العلم بالشريعة فاستعان بهم فيما يظن أنه من الكرامات مثل أن يستعين بهم على الحج، فيحملونه إلى عرفات ولا يحج الحج الشرعي الذي أمر الله به ورسوله أو يطيروا به عند السماع البدعي أو يحملوه من مدينة إلى مدينة.. فهذا مغرور قد مكر به.. وكثير من هؤلاء قد لا يعرف أن ذلك من الجن، بل قد سمع أن أولياء الله لهم كرامات وخوارق للعادات، وليس عنده من حقائق الإيمان ومعرفة القرآن ما يفرق به بين الكرامات الرحمانية وبين التلبيسات الشيطانية، فيمكرون به بحسب اعتقاده.. ملخصا من مجموع الفتاوى.
وفي كتاب "أحكام الجان" للإمام محمد عبد الله الشبلي الدمشقي الحنفي المتوفى سنة 769هـ يقول المؤلف باب في تعليم الجن الطب للإنس، فيذكر تحت هذا العنوان روايات وأخبارا بسنده إلى أصحابها الذي علمهم الجن بعض الوصفات الطبية، ومن ذلك ما حدث لأحد الأعراب من بني سليم في زمن الحسن البصري رحمه الله أن الجن علموه وصفة من البقول الخاصة من واد معين ليعالج بها أخاه من مرض مزمن أصابه، وكان قد نذر لله إن شفي أخاه أن يحج ما شيا مزموما، فلما سأل عن ذلك الجني الذي علمه الوصفة المذكورة قال له: إنه لا علم له بالشريعة أو كلاما بهذا المعنى، ولكن أرشدك إلى رجل صالح هو الحسن البصري فاسأله، فلما أتى الحسن البصري وأخبره بالقصة بكى..
وليس المقصود بهذا الاستدلال القطعي ولا الاحتجاج، وإنما المقصود الاستئناس، وأن التعامل مع الجن سائغ في كثير من البيئات وعبر التاريخ.
وقد علق الدكتور السيد الجميلي محقق الكتاب على القصص التي وردت في هذا الباب بقوله: ادعى بعض الناس أن الجن يعلمونهم الطب وهم أدعياء في الغالب، لأن الذي يأتون به لم تقم عليه حجة قاطعة أو دليل علمي، وإن حصول المطلوب من علاجهم لا يقطع بإباحته. والله أعلم.
والذي لا شك فيه أن في الجن مؤمنين وصالحين يمكن أن يدلوا إخوانهم من الإنس على الخير ويفرجوا عنهم من الكربات ما يستطيعون تفريجه، كما حث على ذلك الإسلام.
أما عن استطاعتهم إجراءات العمليات الجراحية بنجاح وشفاء المرضى على أيديهم بإذن الله تعالى، فلم نقف على قول لمن يثبت ذلك أو ينفيه.
وبإمكانك أن تطلع على المزيد من الفائدة في الفتويين التالية أرقامهما: 5701، 9734.
والله أعلم.