الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس في كلام ابن تيمية ما يفيد منع من قصد الكفر بالتعليق، من فِعْل ما علق الكفر عليه بعد توبته.
فمن قصد الكفر بالتعليق، ولم يَكْره وقوعه، فإنه لا يعتبر حالفا أصلا عند ابن تيمية.
فقد قال -كما في الفتاوى الكبرى-: فالحالف هو الذي يلتزم ما يكره وقوعه عند المخالفة، كقوله: إن فعل كذا فأنا يهودي؛ أو نصراني، ونسائي طوالق، وعبيدي أحرار، وعلي المشي إلى بيت الله. فهذا ونحوه يمين.
بخلاف من يقصد وقوع الجزاء من ناذر ومطلق، ومعلق، فإن ذلك يقصد ويختار لزوم ما التزمه، وكلاهما ملتزم.
لكن هذا الحالف يكره وقوع اللازم، وإن وجد الشرط الملزوم، كما إذا قال: إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني، فإن هذا يكره الكفر، ولو وقع الشرط: فهذا حالف.
والموقع يقصد وقوع الجزاء اللازم عند وقوع الشرط الملزوم؛ سواء كان الشرط مرادا له، أو مكروها، أو غير مراد له. فهذا موقع ليس بحالف. اهـ.
ثم إن من حلف بالكفر لا يحرم عليه فعل ما حلف عليه، وإنما الخلاف هو في لزوم الكفارة من عدمها.
قال ابن تيمية - كما في الفتاوى الكبرى-: وقد اتفق المسلمون على أنه من حلف بالكفر والإسلام، أنه لا يلزمه كفر ولا إسلام, فلو قال: إن فعلت كذا فأنا يهودي، وفعله، لم يصر يهوديا بالاتفاق.
وهل يلزمه كفارة يمين؟ على قولين:
أحدهما: يلزمه: وهو مذهب أبي حنيفة، وأحمد في المشهور عنه.
والثاني: لا يلزمه؛ وهو قول مالك والشافعي؛ ورواية عن أحمد؛ وذهب بعض أصحاب أبي حنيفة إلى أنه إذا اعتقد أنه يصير كافرا إذا حنث وحلف به، فإنه يكفر.
قالوا: لأنه مختار للكفر، والجمهور قالوا: لا يكفر؛ لأن قصده أن لا يلزمه الكفر؛ فلبغضه له حلف به.
وهكذا كل من حلف بطلاق أو غيره، إنما يقصد بيمينه أنه لا يلزمه لفرط بغضه له. اهـ.
والله أعلم.