الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنّ الزوج إذا شرط على زوجته أن تسكن مع والديه، ورضيت بذلك؛ فليس لها أن تطالب بمسكن آخر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: ومن شرط لها أن يسكنها منزل أبيه، فسكنت، ثم طلبت سكنى منفردة، وهو عاجز لم يلزمه ما عجز عنه، بل لو كان قادرا فليس لها عند مالك، وهو أحد القولين في مذهب الإمام أحمد وغيره، غير ما شرط لها. انتهى. من الفتاوى الكبرى.
لكن إذا كان على الزوجة ضرر في السكن مع أهل الزوج؛ فمن حقّها المطالبة بمسكن مستقل.
ففي شرح ميارة: سُئِلَ مَالِكٌ عَن امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا رَجُلٌ، فَأَسْكَنَهَا مَعَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، فَشَكَت الضَّرَرَ فِي ذَلِكَ؟
فَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسْكِنَهَا مَعَهُمَا، فَقِيلَ لَهُ إنَّهُ يَقُولُ: إنَّ أَبِي أَعْمَى، وَأُغْلِقُ دُونِي وَدُونَهُ بَابًا. قَالَ: يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ رُئِيَ ضَرَرٌ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: إنْ رُئِيَ ضَرَرٌ يُحَوِّلُهَا عَنْ حَالِهَا. انتهى.
وما دمت قد جعلت لزوجتك جزءا من البيت مستقلاً مناسباً لها، لا تتعرض فيه لضرر؛ فلا حقّ لها في طلب مسكن آخر.
جاء في مجمع الأنهر، في شرح ملتقى الأبحر: ولو كان في الدار بيوت، وأبت أن تسكن مع ضرتها ومع أحد من أهله إن خلى لها بيتا، وجعل له مرافق وغَلْقا على حدة، ليس لها أن تطلب بيتا آخر. انتهى.
وليس من حقّ زوجتك منع بناتها من زيارة جدتهن، ولا منعك من كثرة زيارة أمّك.
ونصيحتنا لك؛ أن تتفاهم مع زوجتك، وتبين لها ما ذكرناه من كونها لا يحقّ لها المطالبة بمسكن آخر ما دامت في مسكن مستقل لا ضرر عليها فيه. وأنّ من محاسن أخلاق الزوجة وطيب عشرتها لزوجها؛ إحسانها إلى أهله، وتجاوزها عن زلاتهم، وإعانته على بر والديه وصلة رحمه.
وينبغي أن تصبر، وتستعمل الحكمة والمداراة، وتسعى في الإصلاح بين أمّك وزوجتك، وتستعين بالله -تعالى- وتكثر من الدعاء والتضرع إلى الله.
وإذا لم ترجع زوجتك عن طلبها مسكنا آخر، وأصرت على طلب الطلاق؛ فلا إثم عليك في تطليقها، وراجع الفتوى: 93203
والله أعلم.