الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا مانع -إن شاء الله تعالى- من أن يستعمل الإنسان مثل هذه العبارة التحفيزية التي تزيد من همته، وتشد من أزره، حيث إن الظاهر من مراد قائلها: أنَّ الطب هو الأنسب بالنسبة له، وأنه جدير بأن يكون طبيبا، وطالما أنَّ العبارة يمكن حملها على محمل حسن، ولو بنوع تأوُّل؛ فلا يظهر لنا ما يمنعها.
وكذلك لا مانع من أن يتصور الإنسان هذه الآية المذكورة في السؤال، أو غيرها من الآيات التي تفيد حفظ الله، وتأييده، ونصرته لأوليائه أنها تخاطبه، ويستلهم منها معاني تشعره بالأمان والطمأنينة. وقد يكون ذلك الفعل من العبد من باب تأوُّل القرآن المحمود، وهو نوع من تدبُّر القرآن، والعمل به.
والقارئ المُتَمَعِّن في آيات القرآن الكريم يشعر أنَّه يخاطبه، وأنه موجه إليه بحسب ما يتلو. قال ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه-: إِذَا سَمِعْتَ اللهَ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ـ فَأَرْعِهَا سَمْعك، فَإِنَّهُ خَيْرٌ يَأْمُرُ بِهِ، أَوْ شَرٌّ يَنْهَى عَنْهُ.
وقال الآجري في أخلاق حملة القرآن: أَلا تَرَوْنَ -رَحِمَكُمْ اللهُ- إِلَى مَوْلاكُمْ الْكَرِيْمِ؛ كَيْفَ يَحُثُّ خَلْقَهَ عَلَى أَنْ يَتَدَبَّرُوا كَلامَهُ، وَمَنْ تَدَبَّرَ كَلامَهُ عَرَفَ الرَّبَّ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَعَرَفَ عَظِيمَ سُلْطَانِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَعَرَفَ عَظِيمَ تَفَضُّلِهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ، وَعَرَفَ مَا عَلَيْهِ مِنْ فَرْضِ عِبَادَتِهِ، فَأَلْزَمَ نَفْسَهُ الْوَاجِبَ، فَحَذِرَ مِمَّا حَذَّرَهُ مَوْلاهُ الْكَرِيْمُ، وَرَغِبَ فِيمَا رَغَّبَهُ فِيهِ، وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتُهُ عِنْدَ تِلاوَتِهِ لِلْقُرْآنِ، وَعِنْدَ اسْتِمَاعِهِ مِنْ غَيْرِهِ، كَانَ الْقُرْآنُ لَهُ شِفَاءً، فَاسْتَغْنَى بِلا مَالٍ، وَعَزَّ بِلا عَشِيرَةٍ، وأَنِسَ بِمَا يَسْتَوحِشُ مِنْهُ غَيْرُهُ، وَكَانَ هَمُّهُ عِنْدَ تِلاوَةِ السُّورَةِ إِذَا افْتَتَحَهَا: مَتَّى أَتِّعِظُ بِمَا أَتْلُوهُ؟ وَلَمْ يَكُنْ مُرَادُهُ مَتَّى أَخْتِمُ السُّورَةَ؟ وَإِنَّمَا مُرَادُهُ: مَتَّى أَعْقِلُ عَنْ اللهِ الْخِطَابَ؟ مَتَّى أَزْدَجِرُ؟ مَتَّى أَعْتَبِرُ؟ لأَنَّ تِلاوَتَهُ لِلْقُرْآنِ عِبَادَةٌ، وَالْعِبَادَةُ لا تَكُونُ بِغَفْلَةٍ، وَاللهُ الْمُوَفِّقُ. انتهى.
والله أعلم.