الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالمسلم لا يعرف متى يحين أجله، وواجبه أن يكون ذاكراً للموت في كل حين، مجتهداً في العمل الصالح، مجتنبا التسويف وتأخير التوبة، صحيح أن التوبة تمحو ما قبلها، لكن ذلك لا يسوغ الإقدام على الذنب فمن يضمن لمن أقدم على الذنب مع نية التوبة منه أنه سيبقى حياً حتى يتوب.
وما ذكره السائل الكريم من الاستدلال بأن إخوة يوسف أضمروا نية قتله أو إبعاده ثم التوبة بعد ذلك فهذا صحيح، قال تعالى حكاية عنهم إنهم قالوا: اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ (يوسف:9)، قال ابن كثير في تفسيره: فأضمروا التوبة قبل الذنب، وقال القرطبي: يعني أنهم يتوبون من قتل يوسف وذنبهم الذي يرتكبون فيه. وقال الطبري: يعنون أنهم يتوبون من قتلهم يوسف.
لكن هذا الاستدلال فيه خطأ من ناحيتين:
الأولى أنهم كانوا مخطئين في فعلهم ولو مع إضمار التوبة، وقد اعترفوا بخطئهم في قولهم ليوسف: تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ(يوسف: من الآية91)، وفي قولهم لأبيهم: قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (يوسف:97)، وما داموا مخطئين في فعلهم ذلك فلا حاجة إذاً لمن يقلدهم فيه.
والخطأ الثاني: في الاستدلال أنه على تقدير صحة فعل الذنب مع إضمار التوبة بعد بالنسبة لهم، فإن شرع من قبلنا إذا خالف شرعنا فإنه لا يؤخذ به اتفاقاً، ولا أحد في شرعنا يقول بجواز ارتكاب الذنب مع نية التوبة منه.
والله أعلم.