الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يغفر لك.
وأما سماح صاحب العمل عن حقه دون أن تفصّل الحق، وتبين قدره: فإن براءة الذمة بمثل هذا، محل خلاف بين العلماء، فقد ترجم البخاري: باب من كانت له مظلمة عند أحد فحللها له، هل يبين مظلمته؟ وأسنده تحته حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: من كانت عنده مظلمة لأخيه: من عرضه، أو شيء، فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار، ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات، أخذ من سيئات صاحبه، فحمل عليه.
جاء في شرح صحيح البخاري لابن بطال: قال المهلب: إن بين، فهو أطيب، وأصح في التحلل؛ لأنه يعرف مقدار ما يحلله منه، معرفة صحيحة، وقد اختلف العلماء فيمن كانت بينه، وبين أحد معاملة، وملابسة، ثم حلل بعضهم بعضًا من كل ما جرى بينهما من ذلك، فقال قوم: إن ذلك براءة له في الدنيا، والآخرة، وإن لم يبين مقداره، وقال آخرون: إنما تصح البراءة إذا بين له، وعرف ماله عنده، أو قارب ذلك، بما لا مشاحة في مثله، قال المهلب: وهذا الحديث حجة لهذا القول؛ لأن قوله عليه السلام: أخذ منه بقدر مظلمته ـ يدل أنه يجب أن يكون معلوم القدر، مشارًا إليه .اهـ.
والذي نفتي به في أكثر فتاوانا أنه لا بد من تفصيل قدر الحق، كما في الفتوى: 391468، وغيرها.
وهذا هو الأحوط، والأسلم.
لكن لو اكتفيت بما سبق من الاستحلال العام دون تفصيل للحق، عملا بقول من يسوّغ ذلك، فلا تثريب عليك.
جاء في كشاف القناع، عن متن الإقناع للبهوتي: وله ـ أي المفتي ـ تخيير من استفتاه بين قوله، وقول مخالفه؛ لأن المستفتي يجوز له أن يتخير، وإن لم يخيره، وقد سئل أحمد عن مسألة في الطلاق؟ فقال: إن فعل حنث، فقال السائل: إن أفتاني إنسان لا أحنث؟ قال: تعرف حلقة المدنيين؟ قال: فإن أفتوني حل؟ قال: نعم. اهـ.
وراجع للفائدة الفتوى: 300748.
والله أعلم.