الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله -تعالى- أن يعينك على طاعته، وبر والديك.
ولتعلم أن صلة الرحم من أوجب الواجبات، وقطيعتها من أشنع المنكرات؛ قال الله تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ {محمد:22-23}.
وقال تعالى: وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ {الرعد:21}.
قال الطبري في تفسيره: والذين يصلون الرَّحم التي أمرهم الله بوصلها، فلا يقطعونها (ويخشون ربهم)، يقول: ويخافون الله في قطْعها أن يقطعوها، فيعاقبهم على قطعها، وعلى خلافهم أمرَه فيها. انتهى.
ولا شك أن حق الأم، وبرها، وطاعتها -فيما لا إثم فيه- من آكد الواجبات، وأعظم القربات، ولكن طاعة الله ورسوله فوق كل طاعة، وكل اعتبار؛ فلا تجوز طاعتها في قطع الرحم.
فعليك أن تنصح أمك بلين ورفق واحترام، وتبين لها فضل صلة الرحم، وخطورة قطيعتها.
وينبغي أن تسعى في إزالة سبب القطيعة بين أمك وأخوالك وأعمامك، وتبذل كل ما تستطيع في الإصلاح بينهم؛ لتجمع بذلك بين الحسنيين: صلة الرحم، وإصلاح ذات البين.
وعليك أن تصل أعمامك وخالاتك بالهاتف، وبغيره من وسائل الاتصال، وبكل ما تستطيع من أنواع الصلة بدون علم أمك، وبطريقة لا تغضبها.
ولتعلم أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإنما الطاعة في المعروف. كما جاء في الصحيحين مرفوعا.
وأما قولك: "فهل يجوز تأخير صلة الرحم .." فجوابه أن صلة الرحم ليس لها وقت محدد في الشرع، ولكن لا يجوز للمكلف أن يؤخر ما فرض الله عليه منها حسب العرف، بحيث يعتبر التأخير هجرا أو قطيعة.
فالقاعدة عند العلماء أن كل ما جاء في الشرع من غير تحديد، يرجع في تحديده إلى العرف كما قال بعضهم:
وكُلُّ ما أتى ولم يُحَدّدِ * في الشرع، كالحِرزِ فبالعُرْف احْدُدِ
وللمزيد من الفائدة والتفصيل، انظر الفتاوى: 110513، 255637، 166661.
والله أعلم.