الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن ما أورده السائل من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة وعلم بصوم اليهود عاشوراء قال: لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع لا يتفق مع الروايات الصحيحة في ذلك، فالحديث صحيح، ولكن لم يقله صلى عليه وسلم إلا قبل موته بأقل من سنة، وإنما الذي جرى عند قدومه المدينة هو ما رواه ابن عباس قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله فيه بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى، قال: فأنا أحق بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه. مع أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم عاشوراء قبل قدومه المدينة، فلم يكن ذلك اقتداء باليهود أيضاً بدليل ما روته عائشة رضي الله عنها كما في الصحيحين، قالت: كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما هاجر إلى المدينة صامه وأمر بصيامه، قال الحافظ ابن حجر: ولا مخالفة بين الحديثين إذ لا مانع من توارد الفريقين على صيامه مع اختلاف السبب في ذلك، ثم إن ابن حجر قد أوضح اللبس الذي أثاره السائل كما في الفتح عند قوله: ولأحمد -يعني ابن حنبل- مرفوعاً: صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود، صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده، قال: وهذا كان في آخر الأمر، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء... إلى أن قال: فلما فتحت مكة واستقر أمر الإسلام أحب مخالفة أهل الكتاب أيضاً كما ثبت في الصحيح، فهذا من ذاك، فوافقهم أولاً وقال: نحن أحق بموسى منكم ثم أحب مخالفتهم، فأمر بأن يضاف إليه يوم قبله أو يوم بعده خلافاً لهم، وبهذا يتبين للسائل وغيره أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم عاشوراء ووجد اليهود يصومونه، وسألهم عن سبب ذلك ثم صامه وأمر بصيامه، ثم أحب في آخر عمره أن يخالفهم فقال: لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر، ويتبين أيضاً للسائل وغيره أن صوم يوم عاشوراء ليس بدعة، بل هو سنة مستحبة ثبتت في كتب أهل السنة المعتمدة عندهم، وأنه لم يصمه اقتداء باليهود بدليل حديث عائشة المتقدم.
والله أعلم.