الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشرع الحكيم قد شرع الزواج ليكون سكنا للزوجين، وليكون أساساً لأسرة مستقرة.
قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {الروم: 21}.
ومن أعظم ما يمكن أن يعينكما على تحقيق هذا المقصد النبيل: أن تتذكرا ما أنعم الله به عليكما من نعمة الذرية، وحاجتهم لأن تكون الأسرة مستقرة، حتى تتيسر لكما تربيتهم على أسس سليمة. فيكونوا قرة عين لكما، ومن دعاء الصالحين ما حكاه الله عنهم بقوله سبحانه: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا {الفرقان: 74}.
نقل ابن كثير في تفسيره عن الحسن البصري -وسئل عن هذه الآية - فقال: أن يُري الله العبد المسلم من زوجته، ومن أخيه، ومن حميمه طاعة الله. لا والله ما شيء أقر لعين المسلم من أن يرى ولدا، أو ولد ولد، أو أخا، أو حميما مطيعا لله عز وجل. انتهى.
وعليك بالصبر، وكثرة الدعاء أن يصلح الله الحال بينك وبين زوجك، فربنا سميع مجيب، وهو القائل عز وجل: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر: 60}.
والحياة الزوجية قلَّما تخلو من المشاكل، وينبغي التجاوز عن الهفوات، وتحري الحكمة في حل هذه المشاكل، والحرص على اتقاء الغضب، فغالبا ما يدفع لتصرفات يندم عليها صاحبها، ويدخل الشيطان بين الزوجين للتفريق بينهما، وهذه أفضل أمانيه.
روى مسلم عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة. يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئا، قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته - قال- فيدنيه منه، ويقول: نعم، أنت.
وإن أمكنك الجلوس مع زوجك والتفاهم بينكما؛ فافعلي، وليكن ذلك في إطار الاحترام المتبادل بينكما لتضعا الأسس التي تسيران عليها في التعامل بينكما، وأن يؤدي كل منكما للآخر حقوقه عليه. وراجعي الحقوق بين الزوجين في الفتوى: 27662.
وإن رأيت الحاجة لأن يتدخل العقلاء من أهلك وأهله؛ فافعلي.
ولا يجوز لك الخروج من البيت والذهاب لأهلك بغير إذن زوجك، وإن اتفقتما على أن تذهبي لأهلك حتى تهدأ النفوس، فلا بأس بذلك.
وأما الطلاق فلا يكون إلا آخر العلاج كالكي، لا يكون إلا آخر الدواء.
فإذا استحكم الشقاق، ولم تجدا سبيلا لعلاج المشاكل بينكما، وخشيتما أن يقع منكما ما هو أشد مفسدة، فلا بأس بالطلاق حينئذ.
والله أعلم.