الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنِيَّة الحالف أثناء حلفه تخصص يمينه وتقيدها، وكذلك السبب الحامل له على اليمين، وهو ما يعرف ببساط اليمين، أو السبب المهيج لليمين، وراجع في ذلك الفتوى: 53941.
وعلى ذلك، فإن كان السائل عندما أقسم أنه لن يأخذ هذا المبلغ، أراد بذلك خصوص الموقف المذكور، ولكن لا يمتنع من اقتراضه مرة أخرى إذا احتاج إليه بعد فترة، فإنه لا يحنث إن أخذه مرة أخرى عند حاجته إليه، سواء أخذه من أبيه أو من أمه.
وقريب من هذا قضاء دين السائل بهذا المبلغ، فإنه لا يكون له حكم الأخذ، إلا إن قصد بعدم أخذه ألا ينتفع به مطلقاً، سواء بأخذه مباشرة، أو بوضعه في منفعة تخصه، أو حق يلزمه، كقضاء دينه، ودفع ما يلزمه من ثمن أو أجرة أو صداق ونحو ذلك.
قال ابن قدامة في المغني: مبنى اليمين على نية الحالف، فإذا نوى بيمينه ما يحتمله، انصرفت يمينه إليه، سواء كان ما نواه موافقا لظاهر اللفظ، أو مخالفاً له، فالموافق للظاهر أن ينوي باللفظ موضوعه الأصلي ... والمخالف يتنوع أنواعاً ... منها أن يريد بالخاص العام، مثل أن يحلف: لا شربت لفلان الماء من العطش. ينوي قطع كل ما له فيه منَّة، أو: لا يأوي مع امرأته في دار، يريد جفاءها بترك اجتماعها معه في جميع الدور، أو حلف: لا يلبس ثوباً من غزلها، يريد قطع منتها به، فيتعلق يمينه بالانتفاع به، أو بثمنه، مما لها فيه منة عليه، وبهذا قال مالك. اهـ.
وقال في موضع آخر: الأسباب معتبرة في الأيمان، فيتعدى الحكم بتعديها، فإذا امتن عليه بثوب، فحلف أن لا يلبسه لتنقطع المنة به، حنث بالانتفاع به في غير اللبس من أخذ ثمنه؛ لأنه نوع انتفاع به يلحق المنة به، فإن لم يقصد قطع المنة، ولا كان سبب يمينه يقتضي ذلك، لم يحنث إلا بما تناولته يمينه، وهو لبسه خاصة، فلو أبدله بثوب غيره ثم لبسه، أو انتفع به في غير اللبس، أو باعه وأخذ ثمنه، لم يحنث؛ لعدم تناول اليمين له لفظاً ونية وسبباً. اهـ.
والله أعلم.