الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر أهل العلم أن العقوق يحصل بالأذى ولو كان يسيراً.
قال بدر الدين العيني في عمدة القارئ: قال الشيخ تقي الدين السبكي: إن ضابط العقوق إيذاؤهما بأي نوع كان من أنواع الأذى قلَّ أو كثر، نهيا عنه أو لم ينهيا، أو يخالفهما فيما يأمران، أو ينهيان بشرط انتفاء المعصية في الكل... انتهى.
ولا شك في أن رفع الصوت مما يتأذى به الوالد عادة، فيكون من العقوق.
وقد بيَّن الشرع أدب مخاطبة الوالد، وأنه يكون بالذِّلَّة والتواضع واللين في القول، ونهى عما هو دون رفع الصوت من التصرفات، قال تعالى: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {الإسراء 23: 24}.
قال القرطبي في تفسيره: فينبغي بحكم هذه الآية أن يجعل الإنسان نفسه مع أبويه في خير ذلة، في أقواله وسكناته ونظره، ولا يحد إليهما بصره، فإن تلك هي نظرة الغاضب. انتهى.
والغضبان مكلف إلا في حالة واحدة، وهي: إذا ما وصل به الغضب إلى حال لا يعي معها ما يقول.
قال الرحيباني في مطالب أولي النهى: ويقع الطلاق ممن غضب ولم يزل عقله بالكلية؛ لأنه مكلف في حال غضبه بما يصدر منه من كفر وقتل نفس، وأخذ مال بغير حق، وطلاق وغير ذلك... انتهى.
ويبقى النظر فيما ذكرت من جهلك بأن رفع الصوت من العقوق، فإن كان حالك كذلك؛ فنرجو ألا تكوني آثمة فيما يظهر لنا؛ لأن هذا مما يمكن أن يخفى حكمه على المسلم، ولكن ينبغي أن تجتنبي كل ما يمكن أن يستفز والدك، وأن تحرصي على مناصحته بالرفق واللين إن أساء التصرف، والدعاء له بخير، ويمكن أن تستعيني في سبيل إصلاحه ببعض المقربين إليه.
وفي الختام نسأل الله -عز وجل- أن يصلح حال والدكم، وأن يرزقه الرشد والصواب، وأن يكسبكم رضاه، وفي رضا الوالد رضا الرب تبارك وتعالى، كما ثبتت بذلك السنة الصحيحة.
والله أعلم.