الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كانت السائلة تعني بالقاصر أن البنت صغيرة لم تبلغ الحلم، فهي محجور عليها في مالها لصغرها، وإن كان كذلك فولاية مالها لأبيها دون غيره من أقاربها.
قال النووي في باب الحجر من منهاج الطالبين: ولي الصبي أبوه. اهـ.
وقال الخطيب الشربيني في شرحه مغني المحتاج: ولي الصبي أبوه بالإجماع، ولو عبر بالصغير لكان أولى، وقال ابن حزم: إن الصبي يشمل الصبية. اهـ.
ولا خلاف بين الفقهاء في تقديم الأب في الولاية على الصغير. قال ابن المنذر في الإجماع: وأجمعوا على أن الأب يقوم في مال ولده الطفل، وفي مصالحه إن كان ثقة أمينا، وليس للحاكم منعه من ذلك. اهـ.
وقال ابن قدامة في المغني: لأن الأب أكمل نظرا، وأشد شفقة، فوجب تقديمه في الولاية، كتقديمه على الجد، ولأن الأب يلي ولده في صغره، وسفهه، وجنونه، فيليه في سائر ما ثبتت الولاية عليه فيه، بخلاف ولاية الابن، ولذلك اختص بولاية المال، وجاز له أن يشتري لها من ماله، وله من مالها، إذا كانت صغيرة، بخلاف غيره. اهـ.
وقال الحصني في كفاية الأخيار: لا يجوز تصرف الصبي ومن في معناه، والمجنون ومن في معناه في مالهم، لأن عدم صحة التصرف هو فائدة الحجر... وإذا امتنع تصرف هؤلاء -يعني الصبي، والمجنون، والسفيه- تصرف الأولياء للآية الكريمة، وأولاهم الأب بالإجماع. اهـ.
وعلى ذلك، فإن النظر في استثمار مال هذه البنت الصغيرة إنما هو لوالدها دون غيره من أقاربها، فيدفع إليه المال، ليقوم بنفسه على حفظه، أو استثماره، أو يوكل على ذلك غيره.
وأما إن كانت السائلة تعني بالقاصر أن البنت لم تبلغ السن القانوني للتصرف، ولكنها قد بلغت الحلم وهي رشيدة، فإن مالها يدفع إليها، أو تستأذن في التصرف فيه، واستثماره، ويقسم ربحه على ما تصطلح عليه هي وجدتها، قال تعالى: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا {النساء: 6}.
وإذا استثمرت الجدة مال حفيدتها دون إذن وليها، أو إذنها إن كانت بالغة رشيدة، فضمانه إن خسر يكون عليها هي، وأما ربحه: فمحل خلاف بين أهل العلم، فالشافعية، والمالكية يرون أن الربح تبع للجهد، لا لرأس المال، ومن ثم يكون الربح للجدة وحدها، وأما الحنفية، والحنابلة: فالربح عندهم تبع رأس المال، فهو كله لصاحبة المال، ولا شيء فيه للذي بذل الجهد، والذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية أن الربح يقسم بينهما؛ لأنه حصل بمال هذه، وعمل هذه، فلا يختص أحدهما بالربح، بل يجعل الربح بينهما، كما لو كانا مشتركين شركة مضاربة، وراجعي في ذلك الفتاوى: 50753، 53640، 57000.
والله أعلم.