الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنقول -أولا- إن هذه القضية فيها نزاع بينكم وبين المؤسسة الخيرية، فالفصل في قضايا المنازعات محلُّهُ المحاكمُ الشرعية، أو من ينوب منابها، وذلك لأنها الأقدر على السماع من أطراف النزاع، وإدراك حقيقة الدعاوي، والبينات، والدُّفُوع، ثم إصدار الحكم المؤسس على ذلك.
وأما المفتي: فإنه لا يَسْمَع إلا من طرفٍ واحد، ولن يكون تصوره للمسألة إلا بحسب ما يتلقَّاه من المستفتي، ولذلك لا يستطيع إصدار الحكم الدقيق في مثل هذه القضايا، وما سنذكره هنا إنما هو على سبيل العموم، والإرشاد، والتوجيه.
وعليه؛ فالذي يمكننا إفادتكم به أن الرجوع إلى ما كتب بين والدتكم -رحمها الله تعالى- وبين المؤسسة قد يكون هو مفتاح الحل لهذه القضية، لأنه قد يكون مبينا لحقيقة ما أرادت والدتكم، هل قصدت الوقف، وجعلت غلته لها طول حياتها؟ وهذا جائز، يلزم العمل بمقتضاه، أم قصدت الهبة المعلقة بالموت؟ وهذه وصية تجري عليها أحكام الوصايا، لأن الهبة المعلقة بالموت لها حكم الوصية.
قال ابن قدامة في المغني: والعطايا المعلقة بالموت - كقوله: إذا مت فأعطوا فلانا كذا، أو أعتقوا فلانا، ونحوه – وصايا، حكمها حكم غيرها من الوصايا... اهـ.
وجاء في كشاف القناع للبهوتي: والعطايا المُعلَّقة بالموت، كقوله: إذا متُّ فأعطوا فلانًا كذا، أو إذا مت فأعتقوا فلانًا، ونحوه؛ وصايا كلُّها، لأنها تبرع بعد الموت، وهذا معنى الوصية، كما تقدم. اهـ.
والوصية لا تنفذ فيما زاد على ثلث التركة إلا برضا الورثة، وذهب بعض أهل العلم إلى بطلانها مطلقا ولو رضي الورثة.
جاء في الموسوعة الفقهية فيما يشترط لنفاذ الوصية في الموصَى به: ألا يكون الموصى به زائدا على ثلث التركة، إذا كان للموصي وارث، لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث سعد بن أبي وقاص: الثلث، والثلث كثير ـ وتكون الزيادة عن الثلث موقوفة على إجازة الورثة عند الجمهور -الحنفية، والشافعية، والحنابلة في الصحيح من المذهب، والمالكية في قول- فإن أجاز الورثة الزائد عن الثلث لأجنبي، نفذت الوصية، وإن ردوا الزيادة بطلت، وذهب المالكية، والحنابلة في قول، والشافعية في قول كذلك، إلى بطلان الوصية بالزائد عن الثلث. اهـ.
وعلى ذلك، فللورثة أخذ ما زاد على ثلث مجموع التركة من هذه الشقة، ولا يكون للمؤسسة الخيرية حق في الشقة إلا في حدود ثلث التركة كلها، بما في ذلك المال النقدي، أو غيره من ممتلكات المتوفاة.
والله أعلم.