الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننبه -أولا- إلى أن الفصل في قضايا المنازعات محلُّهُ القضاء، أو ما ينوب منابه، وذلك لأنها الأقدر على السماع من أطراف النزاع، وإدراك حقيقة الدعاوي، والبينات، والدُّفُوع، ثم إصدار الحكم المؤسس على ذلك.
وأما المفتي: فإنه لا يَسْمَع إلا من طرفٍ واحد، ولن يكون تصوره للمسألة إلا بحسب ما يتلقاه من المستفتي، ولذلك لا يستطيع إصدار الحكم الدقيق في مثل هذه القضايا، وما سنذكره هنا إنما هو على سبيل العموم، والإرشاد، والتوجيه.
والذي نستطيع إفادتكم به هو أنه إن كان الحال -كما ذكرتِ- من هجر زوجكِ لكِ دون عذر، وبقائه عند الزوجة الأخرى، وترككِ كالمعلقة؛ فهذا ظلم محرم، قال تعالى: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا {النساء: 129}.
وفي سنن أبي داود، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ، فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ.
ولا يسقط وجوب العدل بين الزوجتين؛ كونهما في بلدين مختلفين، قال ابن قدامة –رحمه الله- في المغني: فإن كان امرأتاه في بلدين، فعليه العدل بينهما، لأنه اختار المباعدة بينهما، فلا يسقط حقهما عنه بذلك، فإما أن يمضي إلى الغائبة في أيامها، وإما أن يقدمها إليه، ويجمع بينهما في بلد واحد، فإن امتنعت من القدوم مع الإمكان سقط حقها، لنشوزها، وإن أحب القسم بينهما في بلديهما لم يمكن أن يقسم ليلة وليلة، فيجعل المدة بحسب ما يمكن كشهر، وشهر، وأكثر، أو أقل، على حسب ما يمكنه، وعلى حسب تقارب البلدين، وتباعدهما. انتهى.
والذي ننصحكِ به؛ أن تتفاهمي مع زوجكِ، أو توسطي بعض العقلاء من الأقارب، أو غيرهم من أهل الخير في التفاهم معه؛ حتى يرجع لمعاشرتكِ بالمعروف، ويعدل بينكِ، وبين زوجته الأخرى، فإن لم يرجع إلى المعاشرة بالمعروف؛ فمن حقّكِ رفع الأمر للقضاء، لرفع الظلم عنكِ، أو التطليق للضرر، قال الدردير –رحمه الله- في الشرح الكبير: ولها -أي للزوجة- التطليق على الزوج بالضرر، وهو ما لا يجوز شرعا، كهجرها بلا موجب شرعي.... انتهى.
والله أعلم.