الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فطالما أنكِ لستِ مليئة قادرة على رد بدل المال المأخوذ، فما كان يجوز لكِ أن تقدمي على أخذ شيء من الوديعة، وقد أثمتِ بذلك، ويتأكد هذا في حال علمكِ بعدم رضا صاحب الوديعة.
وراجعي في ذلك الفتاوى: 324001، 178373، 307783.
وهذا المال الذي أخذتِه يطيب لكِ إذا رددتِ مثله، فلا تكونين حينئذ آكلة للحرام، وقد أحسنتِ بكتباتكِ للمبلغ وتوثيقه، وعلى حرصك على أدائه، واجتهادك في ذلك، ونرجو أن يكون ذلك حائلا دون عقوبة منع إجابة دعاء آكل الحرام، خاصة وأن الحديث الوارد في ذلك يدل على أن مانع الإجابة ليس هو مجرد أكل الحرام، وإنما التوسع فيه، كما في الحديث الذي ذكر فيه النبي -صلى الله عليه وسلم-: الرجل يطيل السفر، أشعث، أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟ رواه مسلم.
قال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم: قوله -صلى الله عليه وسلم-: فَأَنَّى يُسْتَجابُ لِذَلِكَ؟ معناه: كيف يستجاب له؟! فهو استفهام وقع على وجه التعجب، والاستبعاد، وليس صريحًا في استحالة الاستجابة، ومنعها بالكلية، فيؤخذ من هذا أن التوسع في الحرام، والتغذي به من جملة موانع الإجابة، وقد يوجد ما يمنع هذا المانع من منعه. اهـ.
ونرجو أن يكون خوفكِ من هذا الذنب، واجتهادكِ في التخلص منه، نافعا لكِ، ومع هذا تبقى رحمة الله، وتفضله على المذنب بإجابة دعائه هو الذي عليه المعول.
قال القرطبي في المفهم، وتبعه ابن دقيق العيد في شرح الأربعين النووية: قوله: فأنَّى يستجاب لذلك؟ أي: كيف؟ على جهة الاستبعاد، ومعناه: أنه ليس أهلاً لإجابة دعائه، لكن يجوز أن يستجيب الله له تفضلاً، ولطفًا، وكرمًا. اهـ.
ولذلك ينبغي لكِ ألا تقنطي، ولا تيأسي من رحمة الله، فإن القنوط واليأس من رحمة الله من صفات الكافرين، والضالين، كما قال تعالى: إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {يوسف: 87}.
وقال عز وجل: قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ {الحجر: 56}.
وأكثري من الدعاء، والاستغفار، فإن ذلك سبب للبركة، والفتح، والإعانة على رد الأمانة.
والله أعلم.