الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فموضوع هذا السؤال فيه نزاع من جهة الزوجين، حيث إن الزوج يدعي حصول ما تنكره الزوجة وأهلهاـ وفيه من جهة أخرى خلاف بين أهل العلم، فهو إذا من القضايا التي محلها القضاء الشرعي، إذ الفصل في قضايا المنازعات محلُّهُ المحاكمُ الشرعية، أو من ينوب منابها؛ وذلك لأنها الأقدر على السماع من أطراف النزاع، وإدراك حقيقة الدعاوي، والبينات، والدُّفُوع، وترجيح ما ترجح عنده من خلاف أهل العلم في المسألة الخلافيةـ ومن ثم إصدار الحكم المؤسس على ذلك.
وما سنذكره إنما هو على جهة الفائدة فنقول: قول الزوج لزوجته: أنت طالق، طالق، طالق، يعتبر من مسائل الخلاف، والفتوى عندنا في هذه المسألة أنه تقع به طلقة واحدة؛ إلا إذا قصد الزوج الثلاث.
قال ابن قدامة في المغني: فإن قال أنت طالق، طالق، طالق، وقال أردت التوكيد، قبل منه، لأن الكلام يكرر للتوكيد، كقوله عليه السلام: فنكاحها باطل، باطل، باطل ـ وإن قصد الإيقاع، وكرر الطلقات، طلقت ثلاثا، وإن لم ينو شيئا، لم يقع إلا واحدة، لأنه لم يأت بينهما بحرف يقتضي المغايرة، فلا يكن متغايرات... انتهى.
وبما أن زوجك قد استفتى ذلك الشيخ وأفتاه بأنه تقع واحدة، وعمل بفتواه، فهذا كاف، فالطلاق بيد الزوج، وهو أدرى بنيته، فلا تلتفتي إلى أي وساوس، أو أي فتوى أخرى.
وبخصوص قول زوجك: إذا ذهبت إلى بيت أهلك..... وإقراره لتمام الكلام الذي ذكرته أمك، فإن هذا يقتضي أنه قد علق طلاقك على ذهابك لبيت أهلك، بناء على القاعدة التي ذكرها العلماء، وهي أن السؤال معاد في الجواب، وقد بينا ذلك في الفتوى: 151773.
والطلاق المعلق يقع بحصول المعلق عليه عند جمهور الفقهاء، قصد الزوج الطلاق أم لا، خلافا لابن تيمية، حيث يرى أن عليه كفارة يمين إن لم يقصد الطلاق، وانظري الفتويين: 19162، 146125.
والزوج أعلم بنيته، فيصدق إن قال إنه لم ينو الطلاق فيما يرجع فيه إلى نيته، قال ابن قدامة في المغني: إذا اختلفا فقال الزوج لم أنو الطلاق بلفظ الاختيار، وأمرك بيدك، وقالت بل نويت، كان القول قوله، لأنه أعلم بنيته، ولا سبيل إلى معرفته إلا من جهته... انتهى.
وفي الأخير نرشد الزوجين إلى ضرورة السعي في تحصيل الأسباب التي تزيد، وتقوي الألفة بينهما، وتنمي المودة التي امتن الله تعالى عليهما بها، قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {الروم: 21}.
وأن يجتنبا كل ما من شأنه أن يضعف، أو يكدر صفو تلك المودة، ويوهن تلك الرابطة، وسبيل ذلك هو أن يؤدي كل واحد منهما ما عليه من واجبات للآخر، ويتغاضى عما أمكنه التغاضي عنه من حقوق له عليه.
والله أعلم.