الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يوفقك، وأن ينفع بك. وأما ما ذكرته من إلزام طلابك بالدراسة عندك وحدك، ومنعهم من مخالطة المعلم الآخر وطلابه، فنراه مسلكا غير رشيد، ويُخشى أن يكون نابعًا من أهواء النفس، وحظوظها، مع إظهار ذلك في صورة الحرص على الطلاب.
فينبغي الحذر من مكائد النفس الأمارة بالسوء، وفي الأثر المشهور عن علي -رضي الله عنه- أنه قال: يا حملة العلم اعملوا به، فإنما العالم من عمل بما علم، ووافق علمه عمله، وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم، يخالف عملهم علمهم، وتخالف سريرتهم علانيتهم، يجلسون حلقا، فيباهي بعضهم بعضا، حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه، أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله تعالى. أخرجه الدارمي.
فلا ينبغي لك إلزام الطلاب بعدم الانتفاع بذلك المُعلم، وما يدريك لعل دراستهم عليه أنفع لهم من الدراسة عندك، وتأمل هذا الموقف النادر للإمام طلحة بن مصرف -رحمه الله- وثناء العلماء عليه به، ففي صيد الخاطر لابن الجوزي: وقد كان طلحة بن مصرف قارئ أهل الكوفة؛ فلما كثر الناس عليه، مشى إلى الأعمش، فقرأ عليه، فمال الناس إلى الأعمش، وتركوا طلحة، هذا والله الكبريت الأحمر، والمعاملة مع الله تعالى هكذا تكون. انتهى
فمن دلائل الإخلاص والتجرد لله في التعليم أن يفرح المعلم بوجود معلمين غيره، وأن يحث الطلاب على الانتفاع بهم.
وأما محبة الاستئثار بالطلاب: فقد يكون علامة على محبة العلو، والتصدر، والتفرد بالرئاسة، وهذه من أمراض القلوب وآفاتها.
وأما الزعم بأن أيَّ طالب لا يسمع كلام شيخه، ولا يطيعه؛ فلن يوفقه الله -عز وجل-؛ فزعم لم نقف له على أصل في الشرع، وإن كان من أدب الطالب مع معله أن يحترمه، وأن يطيعه فيما يأمره به مما ينفعه، ويحقق غايته في التعلم، ما لم يأمره بمعصية، أو بما فيه حمق، وهوى، فلا يطعْه في ذلك، وربما شبيه بقول بعض المبتدعة الذين يوجبون على المريد طاعة شيخه طاعة مطلقة، وأن يكون بين يديه كالميت بين يدي المغسل، وقد سبق التحذير من هذا في الفتوى: 301117.
وخلاصة القول أنه لا ينبغي لك منع طلابك من الانتفاع بغيرك من أهل العلم، وتعليلك بأن حبسهم على تعلم القرآن، وحفظه أولا مقصد حسن، لكن تعلمهم لما ينفعهم مع ذلك مما ينبغي الحرص عليه، ولا يعتبر مضيعة للوقت، ولا صارفا عما هم فيه، بل قد يكون محفزا لهم.
والله أعلم.