الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالتورق صار عنوانا لمعاملات مختلفة في حقيقتها، فمنه التورق الحقيقي الذي أباحه جمهور أهل العلم، وهو شراء سلعة نسيئة، ثم يبيعها نقدا - لغير البائع - بأقل مما اشتريت به؛ ليحصل المتورق بذلك على النقد (السيولة).
ومنه التورق المنظم الذي تجريه بعض المؤسسات، والمصارف الإسلامية! حيث تقوم بعمل نمطي يتم فيه ترتيب بيع سلعة على المستورق بثمن آجل، على أن يلتزم المصرف -إما بشرط في العقد، أو بحكم العرف والعادة- بأن ينوب عنه في بيعها على مشتر آخر بثمن حاضر، وتسليم ثمنها للمستورق. وهذا محرم؛ لأن فيه معنى الربا، فهو تمويل نقدي بزيادة، ولمشابهته لبيع العينة، وللإخلال بالقبض الذي يشترط لصحة المعاملة، كما صدر بذلك قرار مجمع الفقه الإسلامي المتعلق بشأن التورق، وراجع فيه الفتوى: 420907.
والمقصود أن التورق المنظم ظاهر الحرمة، بخلاف التورق الحقيقي فهو جائز؛ لأنه ليس منهيا عنه، ولا في معنى المنهي عنه، كما هو مذهب جمهور أهل العلم. وانظر للفائدة الفتويين: 17772، 226120.
ثم إن الحكم على المؤسسة، أو المصرف بكونه إسلاميا يعتمد على حقيقة معاملاته، وانضباطها، والتزامها بالأحكام الشرعية. وراجع في ذلك الفتويين: 10305، 14288.
وعلى ذلك يبنى حكم بقاء السائل في عمله، أو تركه له، فإذا كانت المؤسسة التي يعمل بها تلتزم بالضوابط الشرعية في معاملاتها، فبقاؤه مطلوب، وإن اختلت معاملاتها، أو دخلها الحرام، فليتركه إلى غيره.
وإن اختلط عليه الأمر، ولم يستطع الحكم، فليرجع إلى أهل العلم في بلده ممن يعرفون حقيقة المؤسسة التي يعمل بها.
والله أعلم.