الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يفرج عنكم الهم، وينفس الكرب، ويدفع عنكم كل أذى، ونوصيكم بكثرة الدعاء، فإن الله تعالى مجيب دعوة المضطر، وكاشف الضر، وهو القائل: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ {النمل: 62}.
ومن الأدعية المناسبة لهذا المقام، وهذه الحال سؤاله سبحانه العافية، وسبق أن ذكرنا جملة من هذه الأدعية في الفتوى: 221788.
ولا شك في أن إخوتكِ من أبيكِ من الرحم التي تجب صلتها، وتحرم قطيعتها، والصلة يرجع فيها للعرف، فما عده العرف صلة كان صلة، فإن لم يمكنكِ زيارتهم، فصليهم بما هو ممكن مما يعد صلة عرفا، كالاتصال، وتفقد الأحوال، ونحو ذلك، فإن فعلتِ لم يلحقكِ الوعيد الوارد في حق قاطع الرحم>
جاء في إعانة الطالبين: وصلة الرحم -أي القرابة- مأمور بها، وهي فعلك مع قريبك ما تعد به واصلا غير منافر، ومقاطع له، وتكون صلتهما بالمال، وقضاء الحوائج، والزيارة، والمكاتبة، والمراسلة بالسلام ونحوها. انتهى.
وإن كان والدكم قد قصر في حقكم، فلا تقصروا في حقه، بل عليكم بره، والبر كما أنه يكون في حال حياة الوالد، فإنه يكون بعد موته بالدعاء له، والاستغفار، والعفو عنه، إلى غير ذلك من الأمور التي يمكن أن يبر بها، وراجعي للمزيد الفتوى: 410095.
وعدم إحسان أعمامكم إليكم، وأذيتهم لكم أمر غريب؛ لأن الغالب فيهم الشفقة على أولاد أخيهم، ونوصيكم بالصبر عليهم، وصلتهم بما أمكن وإن قطعوكم، والإحسان إليهم وإن أساءوا إليكم، روى مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلا قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم، ويقطعوني، وأحسن إليهم، ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم، ما دمت على ذلك.
والمرجو أن يكون هذا الإحسان والصلة سببا للألفة بعد الخصام، وللمودة بعد البغضاء، كما قال تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت: 34}.
قال ابن كثير في تفسيره: أي: إذا أحسنت إلى من أساء إليك، قادته تلك الحسنة إليه إلى مصافاتك ومحبتك، والحنو عليك، حتى يصير كأنه ولي لك حميم، أي: قريب إليك من الشفقة عليك، والإحسان إليك. انتهى.
وننصح بالاجتهاد في إصلاح الحال بينكم وبين أهل أبيكم، فالصلح خير، وقربة من أعظم القربات، قال تعالى: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا {النساء: 114}.
وروى الترمذي عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام، والصلاة، والصدقة؟ قالوا: بلى، قال: صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة.
ويمكن توسيط أهل الخير، وكل من يرجى أن يكون له تأثير، ليذكروا الجميع بالمودة في القربى، والحرص على الصلة، ومنع القطيعة.
والله أعلم.