الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم هدانا الله وإياك إلى صراطه المستقيم وجعلنا وإياك سبباً في هداية خلقه: أن الأمة مجمعة على عصمة الأنبياء فيما يتعلق بتبليغ الرسالة، وعلى عصمتهم من الكبائر، وأما الصغائر، فأكثر العلماء على أنها تقع منهم، ولكنهم لا يقرون عليها، بل يستغفرون منها في الحال ويتوبون، وراجع في هذا الفتوى: 6901، وفي هذا جواب لما ظنه الشاب النصراني تناقضاً بين الآيات والأحاديث، وبين ما ثبت من عصمة الأنبياء.
وفيه أيضاً جواب عن الذنوب التي غفرت له صلى الله عليه وسلم، وعن قتل موسى عليه السلام للمصري.
وأما خطيئة إبراهيم عليه السلام، فقد أوردها صاحب فتح الباري عند شرحه لحديث الشفاعة. قال: وفي رواية همام: إني كنت كذبت ثلاث كذبات. زاد شيبان في روايته قوله: إني سقيم، وقوله: فعله كبيرهم هذا، وقوله لامرأته: أخبريه أني أخوك. وفي الحقيقة أنها ليس خطيئات، لأنه صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما منها كذبة إلا ماحل بها عن دين الله. انظر فتح الباري.
وأما الفرق بين ذنب امرأة العزيز وذنوب الأنبياء، فإنه من وجوه: أحدها أنها راودت فتاها على الزنا وهو كبيرة، والقائل بحصول الذنب من الأنبياء إنما يقول بحصول الصغائر فقط دون الكبائر.
والثاني: أنها أصرت على ذنبها ولم تتب منه حتى بعد علم نساء المدينة بذلك، واستدعائها إياهن، فقد ظلت مصرة على المعصية، وقالت: [وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ] (يوسف: 32). والأنبياء لا يقرون على المعصية بل يتوبون منها في الحال.
والثالث: أنها أرادت بمراودتها يوسف عليه السلام أن تشبع شهوة جنسية لا غير، والأنبياء إذا صدر منهم خطأ إنما يكون اجتهاداً أو مماحلة عن دين الله، كما هو جلي في خطيئات إبراهيم عليه السلام.
والله أعلم.