الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن التائب من أي ذنب كان توبته مقبولة، ولو كان الذنب الشرك الأكبر، فكيف بما دونه -كالاطلاع على الأبراج؟ فمغفرة الله للتائبين لا يتعاظمها ذنب، فمن تاب صادقا فإن ذنبه مغفور، مهما كان ذلك الذنب عظيما، قال تعالى: قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}.
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: والله تعالى غافر الذنب، قابل التوب، شديد العقاب، والذنب وإن عظم، والكفر وإن غلظ، وجسم، فإن التوبة تمحو ذلك كله، والله -سبحانه- لا يتعاظمه ذنب أن يغفره لمن تاب، بل يغفر الشرك، وغيره للتائبين، كما قال تعالى: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم ـ وهذه الآية عامة مطلقة؛ لأنها للتائبين. اهـ.
وفي سنن ابن ماجه عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعودـ عن أبيه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. وقد حسن إسناده ابن حجر في فتح الباري.
فالتائب من الذنب لا يعاقب عليه في الدنيا، ولا في الآخرةـ قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: ونحن حقيقة قولنا: أن التائب لا يعذب لا في الدنيا، ولا في الآخرة، لا شرعًا، ولا قدرًا. اهـ.
فما دمت قد تبت من مطالعة الأبراج، فإن التوبة مقبولة -بإذن الله تعالى- ولا تعاقب بعد توبتك على ذنبك ذلك، فاحذر الوسوسة، والقنوط.
وأما أثر قتادة: فقد أخرجه البخاري في صحيحه معلقا بصيغة الجزم، وما علقه البخاري بصيغة الجزم، فهو صحيح إلى من علقه عنه، كما حرره ابن حجر في النكت على كتاب ابن الصلاح.
ولعلك فهمت الأثر على غير وجهه، ففهمت من قوله: نصيبه ـ أي نصيبه من الرزق، ونحو ذلك، وليس هذا هو المقصود بالأثر، بل المقصود كما قال ملا قاري في مرقاة المفاتيح، شرح مشكاة المصابيح: وأضاع نصيبه ـ أي: حظه من عمره، وهو الاشتغال بما يعنيه، وينفعه في الدنيا والآخرة -وتكلف ما لا يعلم- أي: شيئا يتصور علمه، لأن أخبار السماء لا تعلم إلا من طريق الكتاب، والسنة، وليس فيهما أزيد مما تقدم.
والله أعلم.