الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد قدمنا في فتاوى سابقة أن قيام الليل في جماعة سنة في رمضان بلا شك، وأنه يجوز في غير رمضان شريطة ألا يُتخذ عادة راتبة، وسنة لازمة، حتى لا يُشَبَّهَ غيرُ المشروع بالمشروع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: مَا لَا تُسَنُّ لَهُ الْجَمَاعَةُ الرَّاتِبَةُ: كَقِيَامِ اللَّيْلِ، وَالسُّنَنِ الرَّوَاتِبِ، وَصَلَاةِ الضُّحَى، وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذَا إذَا فُعِلَ جَمَاعَةً -أَحْيَانًا- جَازَ. وَأَمَّا الْجَمَاعَةُ الرَّاتِبَةُ فِي ذَلِكَ، فَغَيْرُ مَشْرُوعَةٍ، بَلْ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ، فَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَالصَّحَابَةَ، وَالتَّابِعِينَ لَمْ يَكُونُوا يَعْتَادُونَ الِاجْتِمَاعَ لِلرَّوَاتِبِ عَلَى مَا دُونَ هَذَا. وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنَّمَا تَطَوَّعَ فِي ذَلِكَ فِي جَمَاعَةٍ قَلِيلَةٍ أَحْيَانًا، فَإِنَّهُ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ وَحْدَهُ، لَكِنْ لَمَّا بَاتَ ابْنُ عَبَّاسٍ عِنْدَهُ صَلَّى مَعَهُ، وَلَيْلَةً أُخْرَى صَلَّى مَعَهُ حُذَيْفَةُ، وَلَيْلَةً أُخْرَى صَلَّى مَعَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَكَذَلِكَ صَلَّى عِنْدَ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ فِي مَكَان يَتَّخِذُهُ مُصَلًّى صَلَّى مَعَهُ، وَكَذَلِكَ صَلَّى بِأَنَسٍ، وَأُمِّهِ، وَالْيَتِيمِ. اهــ.
والعبرة بالمشروعية، أو عدم المشروعية ليست بالمكان، وإنما بالمداومة، أو عدمها، فإن صليتم قيام الليل جماعة -أحيانا- من غير اتخاذه عادة، فلا حرج، سواء صليتم في المسجد، أو في غيره، وإن اتخذتموها عادة لم يشرع، سواء في المسجد، أو غيره.
والله أعلم.