الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن دراسة علم اللغة على مخالف لمنهج السلف جائزة ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم فادى بعض أسارى المشركين الذين أسروا في غزوة بدر بتعليم جماعة من أبناء الصحابة الكتابة، كما ذكره ابن حجر في الفتح، وابن القيم في زاد المعاد، قال ابن عباس رضي الله عنهما: لم يكن لأناس من أسارى بدر فداء، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة. رواه البيهقي في السنن وابن سعد في الطبقات.
وليعلم الأخ السائل بأن مخالفة منهج السلف التي يعتبر صاحبها مخالفا للفرقة الناجية لا تعتبر إلا بمخالفة في معنى كلي في الدين وقاعدة من قواعد الشريعة كما قرره الشاطبي في الاعتصام.
وأما الخطأ في بعض الجزئيات الذي لا يسلم منه غير المعصوم فلا يحكم على صاحبه بأنه مخالف لمنهج السلف، ولا تترك الاستفادة منه بسببه، وإنما يترك تقليده فيما خالف فيه الصواب، إذ لو ترك الناس الاستفادة من كل من أخطأ في منهجه لضاع كثير من العلم، فلا بد من العدل في الحكم على الناس والاعتراف لذي الفضل بفضله.
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط. رواه أبو داود والبخاري في الأدب المفرد وحسنه الألباني. وقال: ليس منا من لم بجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه. رواه أحمد وحسنه الألباني.
وقد ذكر الذهبي في الميزان عند كلامه على المبتدعة: أن التشيع بلا غلو ولا تحرق كان كثيراً في التابعين وأتباعهم، قال: فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية وهذه مفسدة بينة.
وقد دأب العلماء قديما عند الكلام في الجرح والتعديل على المقارنة بين الحسنات والسيئات، والحكم بالعدل، وقد سمى بعضهم كتبه بالميزان كما عمل الذهبي فقد سمى كتابه الميزان، وسمى ابن حجر كتابه لسان الميزان، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة: ومعلوم أننا إذا تكلمنا فيمن هو دون الصحابة مثل الملوك المختلفين على الملك، والعلماء المختلفين في العلم والدين، وجب أن يكون الكلام بعلم وعدل لا بجهل وظلم، فإن العدل واجب لكل أحد وعلى كل أحد في كل حال، والظلم محرم مطلقاً لا يباح قط. قال الله تعالى: وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المائدة:8]، وهذه الآية نزلت بسبب بغضهم للكفار وهو بغض مأمور به، فإذا كان البغض الذي أمر الله به قد نهى صاحبه أن يظلم من أبغضه فكيف في بغض مسلم بتأويل أو شبهة أو بهوى نفس فهو أحق أن لا يظلم بل يعدل عليه.
والله أعلم.