الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لك أن تلغي حجز الحج للسبب الذي ذكرت؛ فإنَّ من توفرت فيه شروط وجوب الحج من القدرة المالية والبدنية - فإنه لا يجوز له أن يؤخره؛ لأن الحج واجب على الفور، على الصحيح المختار من أقوال الفقهاء، لقول الله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا {آل عمران:97}.
ولقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ، فَإِنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ الْمَرِيضُ، وَتَضِلُّ الضَّالَّةُ، وَتَعْرِضُ الْحَاجَةُ. رواه أبو داود، وابن ماجه.
فإذا جاء وقت الحج، وكنت تملك من المال زائدًا عن حاجاتك الأصلية، ونفقة مَن تعول خلال ذهابك ورجوعك، فيجب عليك أن تحج، ولو أدى ذلك إلى افتقارك بعد الحج، كما قال الدردير المالكي في الشرح الكبير: فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ، أوْ بِافْتِقَارِهِ: أَيْ وَلَوْ مَعَ افْتِقَارِهِ، أَيْ صَيْرُورَتِهِ فَقِيرًا بَعْدَ حَجِّهِ. انتهى.
وقال الخرشي معللاً: لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرُهُ إلَى اللَّهِ. انتهى.
وإنما اشترط الفقهاء أن يكون عنده ما يكفي نفقة عياله وأهله مدة ذهابه وعودته.
قال النووي في كتابه روضة الطالبين في الفقه الشافعي: يشترط كونُ الزاد والراحلة فاضلاً عن نفقة من لزمه نفقتهم، وكسوتهم مدة ذهابه ورجوعه. انتهى.
وقال في الهداية شرح بداية المبتدي في الفقه الحنفي: الْحَج وَاجِب على الْأَحْرَار الْبَالِغين الْعُقَلَاء الأصحاء، إِذا قدرُوا على الزَّاد وَالرَّاحِلَة، فَاضلاً عَن الْمسكن، وَمَا لَا بُد مِنْهُ، وَعَن نَفَقَة عِيَاله إِلَى حِين عوده، وَكَانَ الطَّرِيق آمنًا. انتهى.
وللفائدة انظر الفتوى رقم: 133774.
والله أعلم.