الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا إثم على المرأة في التزين لزوجها، ولا في مداعبته إن أمنت عليه وعلى نفسها من الوقوع في المحظور، ففي حديث عَائِشَةُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ ـ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ.
وفي الموطأ: أَنَّ عَاتِكَةَ ابْنَةَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ -امْرَأَةَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- كَانَتْ تُقَبِّلُ رَأْسَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَهُوَ صَائِمٌ، فَلَا يَنْهَاهَا. اهـ.
قال الباجي في المنتقى: يسْتَدلُّ عَلَى أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ لَا تُفْسِدُ الصَّوْمَ بِأَنَّ عُمَرَ لَمْ يَمْنَعْهَا مِنْ ذَلِكَ خَوْفًا عَلَى صَوْمِهِ لِلِالْتِذَاذِ بِمُبَاشَرَتِهَا لِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا عَرَفَ مِنْ نَفْسِهِ مِلْكَهَا فِي مِثْلِ هَذَا لَمْ يَمْنَعْهَا مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَنْهَهَا، وَلَعَلَّهُ قَدْ الْتَذَّ بِفِعْلِهَا. اهـ.
والأولى بك أن تلبي رغباتك بالليل، وتشغلي وقتك بالنهار بما يسلي عن هذا الأمر، فإن الشارع تعبد الصائم بترك الشهوات بالنهار، لما في الحديث القدسي: يدع طعامه، وشرابه، وشهوته من أجلي. متفق عليه.
وقد أباح الاستمتاع طول الليل، كما في قول الله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ {البقرة: 187}.
ولا يفسد الصوم بما يحصل من مقدمات إن لم يخرج شيء من المني بسبب ذلك، فإن خرج المني فسد الصوم، وعلى من علم من نفسه عادة نزول المني بسبب المداعبة أن يبتعد عنها وقت الصوم، فقد قال ابن عبد البرّ في الاستذكار: لا أعلم أحدا رخص في القبلة للصائم إلا وهو يشترط السلامة مما يتولد منها، وأن من يعلم أنه يتولد عليه منها ما يفسد صومه وجب عليه اجتنابها. انتهى.
وقال ابن قدامة في المغني: وَلَا يَخْلُو الْمُقَبِّلُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ لَا يُنْزِلَ، فَلَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ بِذَلِكَ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ ـ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ....
الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ يُمْنِيَ، فَيُفْطِرَ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ إيمَاءِ الْخَبَرَيْنِ، وَلِأَنَّهُ إنْزَالٌ بِمُبَاشَرَةٍ، فَأَشْبَهَ الْإِنْزَالَ بِالْجِمَاعِ دُونَ الْفَرْجِ.
الْحَالُ الثَّالِثُ: أَنْ يُمْذِيَ، فَيُفْطِرَ عِنْدَ إمَامِنَا، وَمَالِكٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا يُفْطِرُ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَن الْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، لِأَنَّهُ خَارِجٌ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ، أَشْبَهَ الْبَوْلَ... وهذا أقرب، لعدم الدليل على الفطر. اهـ.
والله أعلم.