الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الرحم شأنها عظيم، جاءت النصوص دالة على فضل صلتها، والحث عليها، والتحذير من قطيعتها، قال -تعالى- عن عباده المؤمنين: وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ {الرعد: 21}، وقال -سبحانه-: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ {محمد22: 23}.
وثبت في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: خلق الله الخلق، فلما فرغ منه قامت الرحم، فقال: مه، قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، فقال: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك، قالت: بلى يا رب، قال: فذلك لك، ثم قال أبو هريرة: {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم} [محمد: 22].
وصلة الرحم واجبة لكل رحم محرم، والقطيعة محرمة، وراجع بشأن ذلك الفتوى: 11449، ولا يلزم كثرة الكلام مع الأرحام، ولكن تجب الصلة بما يجري به العرف، فعليك ببذل جهدك في صلتهم بما هو ممكن، فإن فعلت، فلا تكون قاطعا للرحم، فقد قال -تعالى-: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن: 16}. ولو كنت عازما على الصلة، وساعيا من أجلها، فلا تأثم، وإن طال الأمد بينك، وبين صلتهم.
وإن كان الحال ما ذكرت من أن بعض أقاربك يعارضونك في أمر صلة أرحامك، فليس من حقهم ذلك، ولا طاعة لهم فيه. وعلى كل حال لا تلتفت لقولهم هذا، بل اعمل على نصحهم بالحسنى، وذكرهم بأهمية الصلة، ووجوبها، وتحريم القطيعة، وإن كانت بينهم، وبينهم خصومة، فينبغي السعي في الإصلاح بينهم، وتوسيط أهل الخير، ومن يرجى تأثيرهم، فالإصلاح بين الناس من أعظم القربات، كما هو مبين في الفتوى: 50300.
والله أعلم.