الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمعنى أن عيسى هو كلمة الله أنه كان بكلمة الله "كن" كما قال السلف من المفسرين. قال الإمام أحمد بالكلمة التي ألقاها إلى مريم حين قال له: (كن) فكان عيسى بكن، قال تعالى: [إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ] آل عمران: 59. وقال أبي ابن كعب معنى قوله تعالى: [فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا] [التحريم: 12] عيسى روح من الأرواح التي خلقها الله تعالى واستنطقها بقوله: [أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى] [الأعراف: 172]. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: ووصفه بأنه منه، فالمعنى أنه كائن منه، كما في قوله تعالى: [وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ] الجاثية: 13. أي سخر هذه الأشياء كائنة من الله تعالى، فهو مكون ذلك وموجده بقدرته وحكمته.اهـ.
وإضافة الأعيان إلى الله تعالى على وجهين:
الأول: أن تضاف إليه لكونه خلقها وأبدعها، فهذا شامل لجميع المخلوقات، كما تقول: أرض الله وسماء الله.
الثاني: أن تضاف إليه لما خصها به من معنى يحبه ويأمر به ويرضاه، كما خص البيت العتيق بعبادة لا تكون في غيره، فتقول: بيت الله. وكذلك القول في كلمة الله.
فتبين أن عبارة عيسى كلمة الله وروح منه لا توافق عقيدة النصارى القائلين كما أخبر الله عنهم [لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ] [المائدة:17]
وقال تعالى: [لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ] [المائدة:73] وقال تعالى: [وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ] التوبة:30]
والله أعلم.