الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على حرصك على أعمال البر، ورغبتك فيما عند الله من الثواب، ولا شك في كون الصدقة من أفضل الأعمال، وأحبها إلى الله، ومن أعظم أسباب صلاح القلوب، وتطهير النفوس، لكن الأصل أنّ يبدأ الإنسان بالإنفاق على نفسه قبل أن يتصدق على غيره، ففي حديث جابر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ابدأ بنفسك، فتصدق عليها، فإن فضل شيء، فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء، فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء، فهكذا، وهكذا. رواه مسلم.
وعن حكيم بن حزام أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: أفضل الصدقة -أو خير الصدقة- عن ظهر غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول. متفق عليه.
فإن استطعت أن تجمع بين ادخار المال الذي تحتاج إليه لنفقتك، ومؤنة زواجك، وبين التصدق ببعض المال؛ فهذا أفضل، وأكمل، وأما إذا لم يمكنك الجمع بين الأمرين، فحاجتك، وحاجة من تعول أولى.
وأمّا التأسي بفعل كبار الصحابة، كالصديق أبي بكر، وعمر -رضي الله عنهما-، بالتصدق بكل المال، أو نصفه؛ فهذا سائغ لمن كان قوي اليقين راسخ القدم في التوكل على الله -تعالى-، وليس سائغا لكل أحد؛ وبهذا جمع العلماء بين قوله -صلى الله عليه وسلم-: خير الصدقة عن ظهر غنى. وقوله -صلى الله عليه وسلم- حين سئل عن أفضل الصدقة، قال: جهد المقل....
قال المناوي -رحمه الله في فيض القدير: وفيه أن تبقية بعض المال أفضل من التصدق بكله؛ ليرجع كلاً على الناس، إلا لأهل اليقين، كالصديق، وأضرابه، ومحصوله أن الفضيلة تتفاوت بحسب الأشخاص، وقوة التوكل، وضعف اليقين. انتهى.
وقال الصنعاني -رحمه الله- في سبل السلام: ووجه الجمع بين هذا الحديث، والذي قبله ما قاله البيهقي، ولفظه: والجمع بين قوله -صلى الله عليه وسلم-: "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى" وقوله: " أفضل الصدقة جهد المقل" أنه يختلف باختلاف أحوال الناس في الصبر على الفاقة، والشدة، والاكتفاء بأقل الكفاية، وساق أحاديث تدل على ذلك. انتهى.
والله أعلم.