الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن المؤمن إذا كان من أهل طاعة الله -تعالى-، وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم، فإنه يرى الأنبياء والمرسلين في الجنة، لكنه لا يكون في درجاتهم في الجنة.
جاء في تفسير ابن كثير: ثم قال تعالى: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا}، أي: من عمل بما أمره الله، ورسوله، وترك ما نهاه الله عنه، ورسوله، فإن الله -عز وجل- يسكنه دار كرامته، ويجعله مرافقا للأنبياء، ثم لمن بعدهم في الرتبة، وهم الصديقون، ثم الشهداء، ثم عموم المؤمنين، وهم الصالحون الذين صلحت سرائرهم، وعلانيتهم. اهـ.
وقال البغوي:" قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ. الْآيَةَ، نَزَلَتْ فِي ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ شَدِيدَ الْحُبِّ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَلِيلَ الصَّبْرِ عَنْهُ، فَأَتَاهُ ذَاتَ يَوْمٍ، وَقَدْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ يُعْرَفُ الْحُزْنُ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا غَيَّرَ لَوْنَكَ"؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بِي مَرَضٌ، وَلَا وَجَعٌ غَيْرَ أَنِّي إِذَا لَمْ أَرَكَ اسْتَوْحَشْتُ وَحْشَةً شَدِيدَةً، حَتَّى أَلْقَاكَ، ثُمَّ ذَكَرْتُ الْآخِرَةَ، فَأَخَافُ أَنْ لَا أَرَاكَ؛ لِأَنَّكَ تُرْفَعُ مَعَ النَّبِيِّينَ، وَإِنِّي إِنْ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ كُنْتُ فِي مَنْزِلَةٍ أَدْنَى مِنْ مَنْزِلَتِكَ، وَإِنْ لَمْ أَدْخُلِ الْجَنَّةَ لَا أَرَاكَ أَبَدًا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كَيْفَ يَكُونُ الْحَالُ فِي الْجَنَّةِ، وَأَنْتَ فِي الدَّرَجَاتِ الْعُلَى، وَنَحْنُ أَسْفَلُ مِنْكَ؟ فَكَيْفَ نَرَاكَ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ -تَعَالَى- هَذِهِ الْآيَةَ : وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ فِي أَدَاءِ الْفَرَائِضِ، وَالرَّسُولَ فِي السُّنَنِ، فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ أَيْ: لَا تَفُوتُهُمْ رُؤْيَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَمُجَالَسَتُهُمْ، لَا أَنَّهُمْ يُرْفَعُونَ إِلَى دَرَجَةِ الْأَنْبِيَاء. اهـ.
وفي تفسير القرطبي: (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين). وفي طاعة الله طاعةُ رسوله، ولكنه ذكره تشريفا لقدره، وتنويها باسمه -صلى الله عليه وسلم-، وعلى آله. (فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم)، أي هم معهم في دار واحدة، ونعيم واحد يستمتعون برؤيتهم، والحضور معهم، لا أنهم يساوونهم في الدرجة؛ فإنهم يتفاوتون، لكنهم يتزاورون للاتباع في الدنيا، والاقتداء. اهـ.
فينبغي للمؤمن أن يحرص على الاستقامة على أوامر الله -تعالى-، ويجتنب نواهيه، ويكثر من الأعمال الصالحة، حتى يفوز بالدرجات العلى من الجنة.
والله أعلم.