الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان العقد الذي بينكما هو عقد مضاربة، فإنه يشترط لصحته أن يكون المضارب مستقلا بمال المضاربة، ومطلق التصرف فيه.
كما جاء في الموسوعة الفقهية: ذهب الحنفية، والمالكية، والشافعية، والقاضي، وابن حامد من الحنابلة، إلى أنه يشترط لصحة المضاربة أن يكون العامل مطلق التصرف في رأس مال المضاربة، ومستقلا باليد عليه.
وعبر بعضهم عن ذلك بالتخلية بينه وبين رأس المال، وعبر عنه آخرون بأنه تسليم رأس المال إليه. اهـ.
وعلى ذلك، فإنه يجب أن يكون للمضارب -السائل- اختيار المحل المناسب للمشروع، وأن تكون أجرته أجرة مثله؛ لأن ذلك يؤثر على الربح الذي يستحقه الطرفان.
فلا يصح أن يشترط رب المال على المضارب أن يستأجر محله، فضلا عن أن يفرض عليه أكثر من أجرة مثله!
فإن اشتراطه عليه أن يستأجر منه محله بأكثر من أجرة المثل؛ يدخله في شبهة ما لو اشترط عليه دراهم معلومة من الربح، وهذا لا يجوز في المضاربة.
ولهذا المعنى نص بعض الفقهاء على منع محاباة رب المال في ثمن ما يشتريه من مال المضارب.
قال الدردير في الشرح الكبير: وجاز اشتراء ربه منه: أي من العامل شيئا من مال القراض، إن صح القصد، بأن لا يتوصل به إلى أخذ شيء من الربح قبل المفاصلة، بأن يشتري منه كما يشتري من الناس بغير محاباة. اهـ.
وقال الباجي في المنتقى: وجه رواية ابن القاسم ما يحذر من تغابن العامل له وزيادته في ثمن سلعته، فيتوصل بذلك إلى أخذ منفعة من مال القراض قبل القسمة، وربما أثر ذلك في مال القراض نقصا يحتاج العامل إلى جبره بعمله. اهـ.
وقال الخطيب الشربيني في الإقناع: ولا يعامل العامل المالك، كأن يبيعه شيئا من مال القراض. اهـ.
والله أعلم.