الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن اتباع الرواية هو الأصل في اختلاف القراء، فكلهم يقرأ حسبما روى، وقد اختلف في التوجيه المعنوي، فقيل إنهما لغتان كالضَّعْف، والضُّعف، وقيل: المضمومُ اسم، والمفتوحُ مصدرٌ، وقيل المضموم إذا كان مخلوقا من فعل الله تعالى، فإن كان من فعل الآدميين فهو سد بفتح السين، ورد هذا القول بكون السدين جبلين من خلق الله، وأما ما بينهما، فهو من فعل ذي القرنين، وكذلك السد المذكور في سورة يس، فقد قال الله فيه: وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا... {يس: 9}.
قال الواحدي في التفسير البسيط -14/ 139: قال أبو عبيدة: السد مضموم إذا كان مخلوقا من فعل الله تعالى، فإن كان من فعل الآدميين فهو سد مفتوح، وهذا قول عكرمة، والأخفش، وقال الكسائي: ضم السين وفتحها سواء، وقال ابن الأعرابي: كل ما قابلك فسد ما وراءه فهو سد، وسد، وهذا نحو: الضعف، والضعف... اهـ.
وقال أبو حيان في البحر المحيط في التفسير -7/ 224: قال الكسائي هما لغتان بمعنى واحد، وقال الخليل، وسيبويه: بالضم الاسم، وبالفتح المصدر، وقال عكرمة، وأبو عمرو بن العلاء، وأبو عبيدة: ما كان من خلق الله لم يشارك فيه أحد فهو بالضم، وما كان من صنع البشر فبالفتح، وقال ابن أبي إسحاق ما رأت عيناك فبالضم، وما لا يرى فبالفتح... اهـ.
وقال السمين الحلبي في الدر المصون في علوم الكتاب المكنون -7/ 544: قيل: هما بمعنى واحد، وقيل: المضمومُ ما كان من فِعْلِ اللهِ تعالى، والمفتوحُ ما كان مِنْ فِعْلِ الناس، وهذا مرويٌ عن عكرمةَ، والكسائي، وأبي عبيد، وهو مردودٌ: بأن السَّدَّيْن في هذه السورة جَبَلان، سَدَّ ذو القرنين بينهما بسَدّ، فهما مِنْ فِعْلِ اللهِ، والسَّدُُّ الذي فعله ذو القرنين مِنْ فِعْل المخلوق، و:سَدّاً- في يس مِنْ فِعْلِ الله تعالى، لقولِه: وجَعَلْنا- ومع ذلك قُرِئ في الجميع بالفتح، والضمِّ، فَعُلِم أنهما لغتان كالضَّعْف، والضُّعف، والفَقْر، والفُقْر، وقال الخليل: المضمومُ اسمٌ، والمفتوحُ مصدرٌ، وهذا هو الاختيارُ. اهـ.
والله أعلم.