الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحقّ الوالدين على الأولاد عظيم، وبرّهما من أوكد الواجبات، ومن أفضل الطاعات، كما أنّ عقوقهما من أكبر الكبائر.
ومن كان حريصًا على مرضاة ربه؛ فعليه أن يحرص على بر والديه، ويحذر من عقوقهما، أو الإساءة إليهما. ففي الأدب المفرد للبخاري عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قَالَ: رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد.
قال المظهري -رحمه الله- في المفاتيح في شرح المصابيح: قوله: "رضا الرب في رضا الوالد"؛ يعني: إذا رضي الوالد، رضي الرب عنه، وكذلك السخط، وذكر الوالد، والمراد منه: الوالدة أيضًا، بل حق الوالدة آكد. انتهى.
وعن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع هذا الباب أو احفظه. رواه ابن ماجه، والترمذي.
قال المباركفوري -رحمه الله- في تحفة الأحوذي: قال القاضي: أي خير الأبواب وأعلاها، والمعنى: أن أحسن ما يتوسل به إلى دخول الجنة، ويتوسل به إلى وصول درجتها العالية، مطاوعة الوالد، ومراعاة جانبه. انتهى.
ومن البرّ بالوالدين مخاطبتهما بالأدب والرفق والتواضع. قال القرطبي -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا: أي لينًا لطيفًا مثل: يا أبتاه، ويا أمّاه، من غير أن يسميهما، ويكنيهما، قال عطاء: وقال ابن البداح التجيبي: قلت لسعيد بن المسيب، كل ما في القرآن من بر الوالدين قد عرفته، إلا قوله: وقل لهما قولاً كريمًا، ما هذا القول الكريم؟ قال ابن المسيب: قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ... فينبغي بحكم هذه الآية أن يجعل الإنسان نفسه مع أبويه في خير ذلة في أقواله وسكناته ونظره. انتهى مختصرًا.
وقال ابن الجوزي -رحمه الله- في بر الوالدين: وقال يزيد بن أبي حبيب: (إيجاب الحجة على الوالدين عقوق). يعني: الانتصار عليهما في الكلام. انتهى.
فالواجب عليك؛ التوبة إلى الله تعالى مما وقعت فيه من الإساءة إلى الوالدين، وإيذائهما بالجدال، والكلام السيء، والتوبة تكون بالإقلاع عن الذنب، والندم على فعله، والعزم على عدم العود إليه، مع الاعتذار من الوالدين، والاجتهاد في استسماحهما، واسترضائهما، وهذا يحتاج منك صبرًا ومجاهدة، واستعانة بالله تعالى، وكثرة دعائه.
والله أعلم.