الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فسؤالك قد اشتمل على مسألتين: المسألة الأولى: ما يتعلق بثبوت حق الشفعة بسبب الجوار: فقد اتفق أهل العلم على أن حق الشفعة يثبت للشريك في العقارات كالأرض ونحوها قبل قسمتها، لما في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة في كل شركة لم تقسم ربعة وحائط لا يحل له أن يبيعه حتى يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ وإن شاء ترك، وإن باع ولم يؤذنه فهو أحق به.
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان له شريك في ربعة، أو نخل، فليس له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن رضي أخذ، وإن كره ترك. أخرجه مسلم.
أما بعد القسمة: فمذهب الجمهور أن الشفعة لا تجب للجار ولا للشريك، لقول جابر في الحديث المتقدم:أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة في كل شركة لم تقسم. وفي رواية للبخاري: فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة.
وذهب الحنفية إلى إثبات الشفعة للجار الملاصق والشريك في حق من حقوق المبيع، لما رواه البخاري عن عمرو بن الشريد، قال: وقفت على سعد بن أبي وقاص، فجاء المسور بن مخرمة فوضع يده على إحدى منكبي، إذ جاء أبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا سعد ابتع مني بيتي في دارك، فقال سعد: والله ما أبتاعها، فقال المسور: والله لتبتاعنهما، فقال سعد: والله لا أزيدك على أربعة آلاف منجمة أو مقطعة، قال أبو رافع: لقد أعطيت بها خمسمائة دينار، ولولا أني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الجار أحق بسقبه، ما أعطيتكما بأربعة آلاف، وأنا أعطى بها خمسمائة دينار، فأعطاها إياه. فدل الحديث على أن الشفعة تستحق بسبب الجوار.
واستدلوا أيضاً بما رواه مسلم وأحمد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها، وإن كان غائباً إذا كان طريقهما واحداً.
وذهب بعض أهل العلم إلى ثبوت شفعة الجوار عند الاشتراك في حق من حقوق الملك من طريق أو ماء أو نحو ذلك، ونص على ذلك الإمام أحمد في رواية أبي طالب واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم، وعزاه ابن القيم إلى عمر بن عبد العزيز والبصريين من فقهاء الحديث، والفتوى في الشبكة عندنا على هذا القول.
والمسألة الثانية: ما يتعلق بطلب الشفعة هل هو على الفور أم على التراخي؟ وقد اختلف أهل العلم في ذلك أيضاً: فذهب الحنفية، والشافعية على القول الأظهر، والحنابلة إلى أن طلب الشفعة بعد العلم بها يكون على الفور، لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن ماجه عن عمر رضي الله عنه: الشفعة كحل العقال.
واستدالو أيضاً بالقياس على الرد بالعيب، وأجاز المالكية طلبها إلى سنة وما قاربها وتسقط بعدها، وقول الجمهور هو الأقرب.
وبناء على ما سبق من الراجح في المسألتين: فإن لصاحبك أن يطالب بالشفعة إذا كانت المرافق مشتركة وكان الطالب على الفور بعد العلم بالبيع، وإذا توفرت شروط استحقاقه للشفعة فإنه يدفع لك كل ما أنفقته في محل الشفعة.
والله أعلم.