الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا بد على الأخ السائل الكريم ألا يُصدر أحكاما شرعية من خلال حديث واحد أو آية واحدة أو قول عالم واحد، إذ لا بد من جمع الأدلة والأقوال بعضها بجوار بعض ليتبين لك المجمل من المبين، والعام من الخاص، والناسخ من المنسوخ، وهذا الأمر لا يؤتاه المرء في يوم وليلة بل لا بد من دراسة ودربة مستمرة لمعرفة الأحكام الشرعية على وجهها الصحيح. وقد رجعنا إلى كتاب ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث والأثر، فما وجدنا فيه شيئا يؤيد ما تقول، سوى أنه قال في اللعن: وأصل اللعن الطرد والإبعاد من الله، ومن الخلق السب والدعاء.انتهى. وبيان معنى اللعن على هذا الوجه يدل على أن فاعل ما يوجب اللعن قد فعل كبيرة من الكبائر، لأنه يوجب الطرد والإبعاد من الله.
أما ما نقله صاحب الإنصاف عن أحمد من القول بكراهة الندب والنوح، فهو منحصر في صورة ما إذا كان فيه تعداد محاسن الميت بصدق، وإخراج هذه الصورة من الحكم العام للنوح، والندب لا يؤثر في بقاء الحكم الأصلي على ما هو عليه (التحريم)، وكونه كبيرة استفيد من نص الحديث لا من كلام المرداوي في الإنصاف، لأن التحريم أخص من كون الفعل كبيرة أو صغيرة، فكل كبيرة حرام، وليس كل محرم كبيرة.
أما إيكال الربا فقد ورد لعن صاحبه في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لعن الله آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه. قال شعيب الأرناؤوط: صحيح لغيره. وفي رواية مسلم عن جابر: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء. فقد سوى النبي صلى الله عليه وسلم في اللعن بين جميع المذكورين.
وقد قدمنا أن اللعن يفيد كون الفعل الذي لعن فاعله من الكبائر. والله نسأل أن يرزقنا وإياك العلم النافع والعمل الصالح.
والله أعلم.