الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أفتيناك بأن الإثم مرتفع عمن أكرهت على الزنا لما بيناه من الأدلة في الفتوى التي أشرت إلى رقمها.
وأما ما افترضته من إمكانها الهرب والإفلات أو استمرار المقاومة أو الاستغاثة ولكنها لم تفعل شيئا من ذلك لتلذذها وغلبة شهوتها فهذا إذا وجد منه شيء فإنها لا تكون مكرهة وإنما هي زانية، إذ الإكراه الذي تسقط به المؤاخذة هو ما لا يستطيع الإنسان دفعه، أو الذي يحصل له بالامتناع منه ضرر شديد كالقتل أو التشريد أو الحبس أو التعذيب ونحوه، ولم يستطع دفع ذلك إلا بالوقوع في المعصية.
وقولك باعتبار أنه قد حصل في الأخير إيلاج محرم وهي راضية ومطاوعة ينافي الإكراه، فهي متى رضيت وطاوعت كانت آثمة بما يفعل بها.
وأما إشغال ذهنها بما يصرف شعورها بالتلذذ فلم نجد من قال به، والقياس ينافي اشتراطه، لأن حصول اللذة ليس هو السبب في الإثم، بل الفعل المحرم هو السبب، ومتى ارتفع الحرج بالإكراه كان المرء غير مؤاخذ بما يحصل له من لذة، ومثل هذا ما لو اضطر شخص بسبب الجوع إلى أكل لحم خنزير أوصيد لمحرم فلم نجد من أهل العلم من أوجب عليه التفكير فيما يصرف عنه لذة اللحم الحرام.
ثم ما ذكرته من إكراه الرجل على الزنا ومواصلته الفعل بعد زوال الإكراه فإنه زنا قطعا، بل هو أحرى في الزنا مما أردت قياسه عليه، لأن أهل العلم لم يختلفوا في سقوط الإثم عن المكرهة على الزنا، وأما الرجل المكره عليه فقد اختلف أهل العلم فيما إذا كان الإكراه يرفع عنه الإثم والحد أم لا يرفعهما، قال شيخ الإسلام في "الفتاوى الكبرى": إن المكرهة على الزنا وشرب الخمر معفو عنها، لقوله تعالى: { وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (النور: 33).
وأما الرجل الزاني ففيه قولان في مذهب أحمد وغيره بناء على كون الإكراه هل يمنع من الانتشار أم لا.
والله أعلم.