الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلهذه الفتاة أن توصي بثلث مالها لغير وارثها، فإن أوصت بأكثر من ذلك فلا ينفذ الزائد إلا إذا أجازه الورثة، قال ابن قدامة: رحمه الله في المغني: ومن أوصى لغير وارث بأكثر من الثلث، فأجاز ذلك الورثة بعد موت الموصي، جاز، وإن لم يجيزوا، رد إلى الثلث.
وجملة ذلك أن الوصية لغير الوارث تلزم في الثلث من غير إجازة، وما زاد على الثلث يقف على إجازتهم، فإن أجازوه جاز، وإن ردوه بطل في قول جميع العلماء. والأصل في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد حين قال: أوصي بمالي كله؟ قال: لا، قال: فبالثلثين؟ قال: لا، قال: فبالنصف؟ قال: لا، قال: فبالثلث؟ قال: الثلث، والثلث كثير. وقوله عليه السلام: إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند مماتكم. يدل على أنه لا شيء له في الزائد عليه. وحديث عمران بن حصين في المملوكين الذين أعتقهم المريض، ولم يكن له مال سواهم، فدعا بهم النبي صلى الله عليه وسلم فجزأهم ثلاثة أجزاء، وأقرع بينهم، فأعتق اثنين، وأرق أربعة، وقال له قولا شديدا، يدل أيضا على أنه لا يصح تصرفه فيما عدا الثلث، إذا لم يجز الورثة، ويجوز بإجازتهم، لأن الحق لهم.
وأما الوصية لوارثها كوالدتها ولو قلَّ الموصَى به فلا تنفذ إلا برضى بقية الورثة، قال العلامة ابن قدامة في المغني: ولا وصية لوارث، إلا أن يجيز الورثة ذلك. وجملة ذلك أن الإنسان إذا وصى لوارثه بوصية، فلم يجزها سائر الورثة، لم تصح بغير خلاف بين العلماء. قال ابن المنذر، وابن عبد البر: أجمع أهل العلم على هذا. والدليل على نفاذ الوصية للوارث إذا أجازها بقية الورثة قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله أعطى كل ذي حقه فلا وصية لوارث. رواه الترمذي والدار قطني وزاد: إلا أن يشاء الورثة. قال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام: إسناده حسن.
والله أعلم.