الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد سبق حكم تناجي جماعة دون واحد في الفتوى رقم: 52152.
وأما الشطر الثاني من السؤال، فإن النجوى تجوز إذا أذن الواحد للمتناجين بالنجوى، أو كان الجماعة أربعة فأكثر فتناجى اثنان دون البقية.
أما إذا كانت الجماعة ثلاثة فقط، فلا يجوز تناجي اثنين دون الثالث حتى يختلطوا بالناس أو يجدوا رابعاً على الأقل ويدل لهذا ما في الصحيح: إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى يختلطوا بالناس من أجل إن ذلك يحزنه. متفق عليه وهذا لفظ مسلم.
وفي رواية لابن حبان عن أبي صالح عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتناجى اثنان دون صاحبهما، فإن ذلك يحزنه. قال أبو صالح: فقلت لابن عمر: فأربعة؟ قال: ذلك لا يضرك.
وروى الإمام مالك في الموطأ عن عبد الله بن دينار قال: كنت أنا وابن عمر عند دار خالد بن عقبة التي في السوق فجاء رجل يريد أن يناجيه وليس مع ابن عمر أحد غيري فدعا ابن عمر رجلاً آخر حتى كنا أربعة فقال لي وللرجل الذي دعا: استأخرا شيئاً، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يتناجى اثنان دون واحد.
ويدل لجواز تناجي اثنين دون باقي الجماعة إذا كانوا أربعة فأكثر ما في صحيح مسلم من مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة رضي الله عنها بحضرة أمهات المؤمنين رضي الله عنهن.
وقال النووي في شرح حديث لا يتناجى اثنان دون الآخر: في هذه الأحاديث النهي عن تناجي اثنين بحضرة ثالث وكذا ثلاثة بحضرة واحد، وهو نهي تحريم فيحرم على الجماعة المناجاة دون واحد منهم إلا أن يأذن، ومذهب ابن عمر ومالك وأصحابنا وجماهير العلماء أن النهي عام في كل الأزمان وفي الحضر والسفر، وأما إذا كانوا أربعة فتناجي اثنان دون اثنين فلا بأس بالإجماع.
وقال ابن حجر في الفتح عند شرح حديث مناجاة الرسول لفاطمة: قال ابن بطال مُسَارَرَة الواحد مع الواحد بحضرة الجماعة جائز، لأن المعنى الذي يخاف من ترك الواحد لا يخاف من ترك الجماعة.
والله أعلم.