الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالذي يظهر أن الطلقة الثالثة غير واقعة ما دام أنها تمت بالكتابة ولم يكن الزوج ناويا الطلاق عندها، لأن كتابة الطلاق كناية عند جمهور أهل العلم، ومادام كذلك، فلا يقع مادام أن الزوج لم ينوه عند الكتابة، وأما إقراره أمام القاضي بأنه طلق ثلاثا.. فإن كان يعلم قبل الإقرار بأن الطلاق بالكتابة دون نية الطلاق لا يقع ثم أقر به فهو إقرار بالطلاق كذبا.
وقد اختلف العلماء فيمن أقر بالطلاق كاذبا فذهب بعضهم إلى وقوع الطلاق ديانة وقضاء، كما جاء في الفروع لابن مفلح من الحنابلة، قال: وإن سئل أطلقت زوجتك؟ قال: نعم. أو لك امرأة؟ قال: قد طلقتها يريد الكذب، وقع. (6/ كتاب الطلاق).
بينما ذهب الأحناف والشافعية وغيرهم إلى أن من أقر بالطلاق كاذبا فإنه يقع قضاء لا ديانة، فتبقى زوجته في الباطن بحيث يجوز له الاستمتاع بها إذا لم يفرق بينهما القاضي. يقول في البحر الرائق من كتب الأحناف: ولو أقر بالطلاق وهو كاذب وقع في القضاء. وجاء في أسنى المطالب شرح روض الطالب من كتب الشافعية: وإن أقر بالطلاق كاذبا لم تطلق زوجته باطنا، وإنما تطلق ظاهرا.
وفي تحفة المحتاج وشرح المنهاج: ولو قيل له استخبارا: أطلقتها؟ أي زوجتك، فقال: نعم. أو مرادفها، فإقرار به (الطلاق) لأنه صريح إقرار، فإن كذب فهي زوجته باطنا، اهـ.
والظاهر هو مذهب الشافعية والأحناف، لأن الإقرار لا يقوم مقام الإنشاء، والإقرار إخبار محتمل للصدق والكذب، يؤاخذ عليه صاحبه ظاهرا، أما بينه وبين الله فالمخبر عنه كذبا لا يصير بالإخبار عنه صدقا، فلهذا لا يقع طلاقه باطنا.
وأما إذا كان الزوج قبل الإقرار لا يعلم بأن الطلاق بالكتابة لا يقع إلا مع النية ثم علم به فلا يقع الطلاق. قال ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج: فرع: أقر بطلاق أو بالثلاث ثم أنكر، أو قال: لم يكن إلا واحدة، فإن لم يذكر عذرا لم يقبل، وإلا، أي بأن ذكر عذرا كظننت وكيلي طلقها فبان خلافه أو ظننت ما وقع طلاقا أو الخلع ثلاثا فأتيت بخلافه وصدقته أو أقام به بينة قبل. انتهى.
لأنه تبين أن ظنه فاسد فالإقرار كذلك.
وعليه، فالطلقة التي تمت عبر التلغراف في هذه الحالة غير معتبرة.
وبكل حال، فالأولى في هذه الحالة الرجوع إلى المحاكم الشرعية، لأنها أقدر على الاطلاع على ملابسات القضية كلها.
والله أعلم.