الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد نص أهل العلم على أن الضرورة التي تبيح للمسلم تناول الحرام من ربا أو غيره هي بلوغه حدا إن لم يتناول الحرام هلك أو قارب، قال الزركشي في المنثور من القواعد: فالضرورة: بلوغه حدا إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب كالمضطر للأكل واللبس بحيث لو بقي جائعاً أو عريانا لمات أو تلف منه عضو، وهذا يبيح تناول المحرم.
ومن هذا تعلم أن الزواج ليس بضرورة، وأن الاقتراض لأجله بالربا لا يجوز، لأن من لم يتزوج، لم يهلك أو يتعرض لتلف عضو، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم من لم يستطع النكاح إلى ما يكسر به حدة الشهوة عن نفسه، ففي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء.
أما قاعدة "الحاجة تنزل منزلة الضرورة" فمعناها: أن الحاجة -عند تحقق شروطها- تنزل منزلة الضرورة في كونها تثبت حكما، وليس المقصود بها أن الحاجة مثل الضرورة في كل أحكامها، قال الزركشي: والحاجة: كالجائع الذي لو لم يجد ما يأكل لم يهلك غير أنه يكون في جهد ومشقة، وهذا لا يبيح المحرم.
وقال السيوطي: الحاجة: كالجائع الذي لو لم يجد ما يأكله لم يهلك غير أنه يكون في جهد ومشقة، وهذا لا يبيح المحرم.
وقال أحمد الزرقا في كتابه شرح القواعد الفقهية: الظاهر أن ما يجوز للحاجة إنما يجوز فيما ورد في نص يجوزه أو تعامل، أو لم يرد فيه شيء منهما، ولكن لم يرد فيه نص يمنعه بخصوصه، وكان له نظير في الشرع يمكن إلحاقه به.
وقال مصطفى الزرقا في المدخل الفقهي العام: وأما الأحكام التي ثبتت على بناء الحاجة فهي لا تصادم نصا، ولكنها تخالف القواعد والقياس. فهذه النقول تدل على أن الحاجة لا تبيح الحرام، وأن مجال تأثيرها في الأحكام حيث لا تصادم نصا، وهذا بخلاف الضرورة التي تبيح الحرام ومخالفة النصوص.
وعلى هذا فإن الحاجة إلى الزواج لا تبيح الاقتراض بالربا، لأن حرمة الربا ثبتت بنصوص قطعية، وتحريم القرض نظير فائدة تحريم مقاصد، لأن الشارع قد نهى عنه لذاته ولما ينشأ عنه، وراجع الفتوى رقم: 11446.
والله أعلم.